1-تعريف الّص الحجاجيّ:
النص الحجاجيّ نوع من النصوص التي تتضمن طائفة من الحجج؛ يؤتى بها للإقامة الدليل على صحة رأي أو بطلان؛ وهو إما موجه إلى فرد أو إلى جمهور لإقناعه لتغيير موقفه السياسي أو مذهبه الفكري أو إقناعه بفكرة ؛ وهو كثيرا ما تمتزج فيه الرؤية الذاتية بالرؤية
الموضوعية؛ وهو بذلك يختلف عن الأدلة والحجج المستعملة في علوم الطبيعة والرياضية. ذات موضوعية غاية الصرامة.
2-بنية النص الحجاجي:
إن المتأمل في نصوص الجاحظ عبر معاينتها يكتشف أنها انبت بناء مخصوصا على اختلاف الخطّة الحجاجيّة فيها فلا بدّ من الإشارة أولا أنّ نصوص الجاحظ قد تناولت مواضيع عدّة في علم الكلام وفي الأمور العلمية والمعرفية والفكرية يسعي الجاحظ إلى الخوض فيها ومناظرة خصومه نحو تأصيل الحقيقة لذلك نري أنّ نصوصه توفرت فيها مقومات النّص الحجاجيّ بنية وأسلوبا ففي بعضها ينطلق الجاحظ من عرض الرّأي المخالف ثم يسعي إلي دحضه بالحجة والبرهان معتمدا في ذلك مجموعة من الجحج نحو تأصيل الأطروحة المدعومة انتهاء بالنتيجة اوالإستنتاج أو العبرة التي هي بمثابة الحقيقة التي تنتصر للعقل وتؤسس لحضوره ؛ و قد نجد في بعض نصوصه عرضا مباشرا وصريحا للأطروحة المدعومة في مسلمة غير قابلة للدحض خصوصا إذا كانت ذات مرجعية دينية يسعي إلي إثباتها معملا العقل فيها لذلك يلاحظ الدارس لهذه النصوص أن ترتيب أقسامها قد لا تستجيب دائما للبنية النظرية للنصَ الحجاجي – أطروحة مدعومة /أطروحة مدحوضة / سيرورة حجاج / نتيجة أو استنتاج أو عبرة .
3 – الأساليب الحجاجية :
جاءت نصوص الجاحظ الحجاجية وفق أساليب متنوعة ساهمت في دعم الأطروحة التي يدافع عنها ودفع الرأي المخالف الذي يدحضه وقد تراوحت بين صيغ صرفية ومؤشرات لغوية وأساليب بلاغية ؛ نجملها فيما يلي : صيغ المبالغة وأسماء التفضيل والجمل الإسمية الخبرية التفريرية والجمل الشرطية التلازمية والجمل القائمة على النفيّ والإثبات واعتماده على الحصر و القصر والاستثناء و الاستدراك و الجمل الدعائية والطباق والمقابلة فضلا عن الحقل المعجمي المخصوص الذي يساعد المحاج على تدعيم الرأي الذي يدافع عنه من
ذلك نجد اعتماد ألفاظ مثل : العقل و التعقل و الفهم والإدراك والعلم والمعرفة و الحكمة والإستدلال و القياس …. إضافة إلي الأفعال الدالة على منهجه العلمي في البحث مثل جرّبت / وجدت / عاينت / رأيت / علمت …
4- الروابط المنطقية :
وظيفة الروابط المنطقية و العلاقات المنطقية:
تسمح بإضافة حجة جديدة و – إضافة إلي – إلي جانب – من ناحية ومن ناحية أخري -ولكن أيضا – لا فقط الجمع والإضافة
تسمح بملاحظة حجج مناقضة مع النّمسك بنفس الموقف رغم – بدون شك – رغم أنّ -مما كان – ولكن – غير أنّ – بيد أنّ – في حين الاستدراك.
تسمح بالمقابلة بين حدثين أو حجتين بغاية تفضيل أحدهما علي النقيض – بخلاف ذلك في الوقت الذي – إلا أنَ التقابل
تسمح ببيان الأصل والسّبب لأنّ – باعتبار أنّ -بتعلّة السبب
تسمح ببيان النتيجة
الاستنتا ج
التعليل إذن – بما أنّ – بحيث – تبعا لذلك النتيجة
5 – الحجج: أنواعها / وظائفها / وشروط نجاحها :
أ – أنواع الحجج :
تتنوع الحجج في نصوص الجاحظ بتنوع المواضيع التي يخوض فيها وبطبيعة الطرف
المقابل الذي يريد إقناعه
ومن أهمّ الحجج التي يعتمدها الجاحظ نجد :
- الحجة المنطقية : وهي الحجة التي تبني على أساس الرّبط بين السبب و النتيجة أو على أساس القياس فيتم فيها الربط بين المقدمات و النتائج و يعوّل الجاحظ في هذه الحجة على العقل والمنطق في الإقناع .
- حجة الشاهد القولي : وهي الحجج التي عادة ما تكون منتقاة من نصوص معترف بأهمّيتها بل أن قوة النصنّ في هذه الحجة هي التي تحدد قوة الحجة و أمثلة النصوص في هذه الحجة مثلا : النصصٌ القرآني – السنة – أقوال الصحابة والتابعين – أقوال الحكماء والعقلاء ..
وقد يطلق على هذه الحجة أيضا مصطلح حجة السلطة إذا كانت الحجة تمثل سلطة إجماع الفقهاء أو الأيمة أو العلماء .
- الحجة الواقعية : وهي الحجة التي تكون استعراضا لمجموعة من العلاقات أو الأعمال التي تميّز واقعا اجتماعيا أو حضاريا أو تاريخيا أو دينيا أو سياسيا ما وقد يعتمد الحجاج في
إيراد هذه الحجج على نمط السرد أو الوصف كأن يروي أحداثا ما أو يرسم ملامح صورة معيّنة .
- حجة المثل : وهي الحجة التي تقوم على التمثيل بمثل مسرود عادة ما يكون استطرادا أو تقوم على ذكر مثل سائرمن أمثال العرب المعروفة والشائعة .
- حجة الإحصاء : وهي الحجة القائمة على العدد الكميّ الذي يوظف للدحض أو الإثبات .
- حجة التعريف : ويطلق عليها أيضا حجة الحّد وهي التي يقوم فيها المحاج بالتعريف اللغوي أو الاصطلاحي للموضوع الذي يريد الخوض فيه أو الأمر الذي يريد إثباته .
ب – وظائف الحجج :
يمكن إجمال هذه الوظائف في ثلاث وظائف رئيسية :
- الإقناع : أي حمل المتقبل على تبني الأطروحة المدعومة ويكون ذلك باعتماد حجج عقلية ومنطقية و واقعية .
- حمل المتقبل على تصديق الأطروحة المدعومة : و ذلك بمخاطبة الرغبات والعواطف فيه ( اللغة تنهض بوظيفة تأثيرية ) وتسمي هذه الوظيفة وظيفة نفسية .
- الدحض : ويتمثل في نقض أطروحة الخصم عبر الكشف عن عيوبها وإثبات عدم صحّتها تشترك هذه الوظائف في كونها تمثل دعوة إلي تغيير موقفا أو رأيا أو انجاز عملا ما .
ج – شروط نجاحها :
- انتقاء الحجج حسب ملائمتها للأطروحة وحسب الوظيفة التي ينهض بها الحجاج و حسب تلاؤمها مع المقام ( حالة المتقبل) بمعني العلاقة بين المتقبل والمخاطب .
- انتقاء الأساليب والصيغ التعبيرية التي تسهم في تقوية الحجة وما يظهر من عبارات تتدخل في تحديد العلاقة بين الباث والمتقبل والسعيّ إلي إحكام الترابط بين وحدات النص الحجاجي.