لقد ظهرت التربية مع ظهور الإنسان على وجه الأرض؛ حيث وهبه الله تعالى من الخصائص الجسدية والعقلية والنفسية ….ما جعله يسعى إلى تكييف أو التكيف مع الوسط الذي يعيش فيه فبدا بملاحظة مختلف الظواهر الطبيعية المحيطة به للإفادة منها في تسهيل حياته والمحافظة على نوعه؛ فبدأت تتكون لديه المعارف والخبرات الجديدة مكنته مع مرور الوقت من إبداع كيفيات وطرق حياة جديدة.
ومن هذا المنطلق يمكننا قول أن الإنسان كان يتفاعل باستمرار مع بيئته والتي كانت في حقيقة الأمر مدرسته الأولى ؛ فكان يتعلم عن طريق الخطأً أحيانا والإصابة أحيانا أخرى ؛ وهذا التفاعل المستمر بينه وبين مختلف عناضر بيئته قصد المحافظة على حياته المادية واستقراره الروحي ( النفسي ) هو ما نسميه التربية والتي هي الحياة نفسها.
1- التربية : الماهية والضرورة
1-1-تعريف التربية:
1-1-1-تعريف التربية لغة:
كلمة التربية لها أصئول لغوية ثلاثة :
الأول:ربا يربو بمعنى زاد وما قال تغالى” يمحق الله الربا + ويربي الصدقات…” سورة البقرة الآية 276.
الثاني: رَبِي يَرْبَى على وزن خفي يخفئ ومعناه نشأ.وترعرع .قال تعالى”قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين” سورة الشعراء “الآية 18.
الثالث: رَبَ يَرْبُّ على وزن مدّ يمدّ بمعنى أصلح الأمر وعدله وساسه وقام عليه ورعاه.
وعليه فأن مدار كلمة التربية عند العرب هى السياسة!والتنمية والقيادة؛ لذلك كان فلاسفة العرب يسمون هذا الفن سياسة؛ فقد ألف ابن سينا كتابه “سيّاسة الرجل أهله وولده” ؛ وكان مصطلح التربية يشمل العلم والأخلاق وحسن السلوك والتصرق جميعا.
ويذكر معجم هاتزفليد Hatzfield ؛ ومعجم دار مستر Dar Master ومعجم توماس Thomas أنه لا أثر لمصطلح “التربية” في اللغة الفرنسية قبل عام 1527م ؛ وبداً في الظهور منذ عام 1549م وحتى عام 1649م كان مفهوم التربية هو الدلالة على تكوين الجسد والنفس» وهي تلك العناية التي نقدمها للأطفال .
وفي اللغة الانجليزية Education مأخوذة من اللاتينية بمعنى القيادة E-ducere أي يقود خارجا ؛ ومنه يقود الولد أي يهذبه ويرشده.
2-1-1-تعريف التربية اصطلاحا:
للتربية تعريفات كثيرة وعديدة وردت عن العلماء وباحثين مختصين قدامى ومحدثين» والخلاف في وجهة النظر معقول طالما أن الإنسان عضوية مركبة ( غير بسيطة ) ومتغيرة» سنتعرض لبعض التعاريف حتى يتضح لنا التعريف الاصطلاحي للتربية :
أفلاطون ( 347-427 ق.م) :مثلا يرى أن الغرض من التربية هو أن يصبح الفرد عضوا صالحا في مجتمعه ؛ فيعرف التربية بأنها إعطاء الجسم والروح كل ما يمكن من الجمال وكل ما يمكن من الكمال.
وأما أرسطو ( 323-385 ق.م) تلميذ أفلاطون: فيرى أن غرض التربية يتلخص في أمرين: أولا: أن يعمل الفرد كل ما هو مفيد وضروري في الحرب والسلم . وثانيا: أن يقوم الفرد بكل ما هو نبيل وخير من الأعمال ويعرف التربية بأنها إعداد العقل لكسب العلم كما تعد الأرض للنبات والزرع.
ابن سينا ( 428-370 ه ) :يعرف التربية بأنها الإعداد لحياة الدنيا وحياة الآخرة.
جون جاك روسو (1778-1712 م): الذي يعتبر رائد التربية الحديثة في الغرب في كتابه “إميل” يقول:” ليس على التلميذ أن يتعلم ولكن عليه أن يكتشف الحقائق بنفسه ” مما يدلعلى أن التربية عملية ذاتية نابعة من طبيعة الطفل.
تعريف إيميل دوركايم (1857- 1917م ):” التربهّة هي الفعل الذي يؤثر من خلاله الجيل الراشد على الجيل الصاعد الذي لم ينضج بعد للحياة الاجتماعية” فالتربية عند دوركايم هي عملية التنشئة الاجتماعية المنظمة للأجيال الصاعدة.
جون ديوي (1859- 1952م) :يرى بأن التربية هي الحياة نفسها وليس مجرد إعداد للحياة وهي عملية نمو ءوعملية تعلم؛ وعملية بناء وتجديد؛ مستمرين للخبرة؛ وعملية اجتماعية. فجون ديوي يؤمن بأن تكوين الخبرات لا يتم إلا عن طريق حل المشكلات وأن لا خير في شيء لا يكوّن خبرة عند الطفل.
تعريف اللجنة الدولية للتربية 1998م: ” التربية هي العمل المنسق المقصود الهادف إلى نقل المعرفة؛ وخلق القابليات وتكوين الإنسان ؛ والسعي به في طريق الكمال من جميع النواحي وعلى مدى الحياة “.
تعريف لجنة وضع إستراتجية لتطوير التربية في البلاد العربية 1998م : ” التربية هي عملية إنسانية سلوكية؛اجتماعية؛ حضارية؛ تتألف في جوهرها من التعلم القائم أصلا على الجهود الذاتية للمتعلم المتجلية في تشكيل سلوكه ؛ المؤدية إلى تطوير شخصيته وبالتالي
يساهم في تقدم مجتمعه وتمكنه من المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية؛ وبهذه الصورة فهي عملية سلوكية اجتماعية غايتها القصوى خير الإنسان وخير المجتمع وخير الإنسانية جمعاء”.
من خلال ما سبق نستطيع أن نستوعب مفهوم “التربية” الذي يفيد معنى التنمية ؛ وهي تتعلق بكل كائن حي (النبات؛ الحيوان ؛الإنسانولكل منها أساليب خاصة للتربية +وتربية الإنسان تساعد على النمو المتكامل للفرد من جميع النواحي الجسمية؛ والنفسية؛ والعقلية؛ والخلقية والجمالية…
ومن الأهمية بمكان أن نبين أهم المفاهيم الأساسية التي يجب أن يتضمنها أي تعريف للتربية وهي:
- أن التربية تخص النوع الإنساني» وهي ظاهرة طبيعية في الجنس البشري كما ذكر جون ديوي.
- التربية عملية مُستمزة سواء إذا تحدثنا عن التربية على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع؛ فتبدا بتلقيح البويضة ولا تنتهي إلا بموت الإنسان وأما بالمعنى الاجتماعي فهي تنتقل من جيل إلى جيل ومن أمة إلى أمة.
-_ التربية عملية معقدة ؛فهي تتكون من المربي والمتربي وهناك الوسط الذي تتم فيه العملية التربوية وهي عملية نمو متكاملة للفرد في جميع مجالات شخصيته جسدا ؛ونفسا ؛وعقلا وأخلاقا …فكل عملية تربوية لا تصل إلى هذا العمق وهذا التعدد هي عملية مبتورة وناقصة.
- التربية طريقة ونظام ؛فالغرض من التربية هو الوصل إلى كمال التو وتوجيه السلوك وترشيده؛ فلا بد أن تكون بطرائق معينة ومناهج هادفة لا بطريقة غشوائية ؛وهذا يختلف حسب الأهداف والمكان والزمان.
- وأخيرا التربية تكيّف» وبديهي أن نشير إلى أن مفهومي النمو والتكيف مفهومان متكاملان فالنمو لا يتم إلا بالتكيف ؛ والتكيف لا يكون ذا قيمة إلا إذا كان نموا.
-2-1 أهم المفاهيم والمصطلاحات في علوم التربية:
1-2-1-التعلم:
هو تغير ثابت نسبي في السلوك نتيجة لنشاط يقوم به الفرد عن طريق الخبرة والممارسة.
- (تغيرثابت نسبي): قيدنا هذا الثبات بالنسبية لأن التعلم ظاهرة إنسانية لا يمكن الحكم عليها بالثبات المطلق ولذلك يقوم علماء النفس التجريبي باستخدام الحيوان في التجارب لأنه أكثر موضوعية ؛وأما الإنسان فقد يظهر ما لا يضمر؛ وهو كثير التغير).
- (في السلوك ): السلوك هو الموضوع الأساسي في علم النفس ؛ ويمكن تعريفه : بأنه هو كل نشاط يقوم به الإنسان ويصدر منه ويستطيع هو أن يلاحظه على نفسه أو يلاحظه عليه أشخاص آخرون.وقد يكون السلوك ظاهرا أو غير ظاهر.
السلوك الظاهر: كالنشاط الحركي (المشي؛ الأكل..) أو الانفعالات (الغضب، الضحك..).
السلوك غير الظاهر: الأنشطة العقلية كالتفكير ؛والانتبا»؛ والإدراك… فهي عمليات عقلية لا نستطيع ملاحظتها بصورة مباشرة ؛ وإنما يستدل على حدوثها بملاحظة نتائجها.
** وينقسم التعلم إلى تعلم مقصود وتعلم غير مقصود( التعلم العرضي).
التعلم الفقصود: وهو أن نتعلم بعض الأساليب السلوكية في مواقف تعليمية مقصودة ومعدة لهذا الغرض مثلا: المدرسة؛الجامعة؛ مراكز التكوين…
التعلم غير المقصود:(التعلم العرضي) ويسمى أيضا التعلم المصاحب +حيث لا يهدف الموقف التعليمي إليه ؛ فهو غير محدد بزمان ولا مكان ؛ مثلا: يتعلم التلميذ الاخترام من خلال سلوك معلمه أو العدوان من خلال سلوك رفاقه.
2-2-1- التعليم والتعلم:
هناك عدم وضوح بين مفهومي التعلم والتعليم؛إلاً أنه يمكن التمييز بينهما فنقول: أن التعلم هو علم يبحث في تعديل أو تغيير سلوك الكائن الي ؛ أما التعلم فإنه إجراء عملي يستخدم سيكولوجيا التعلم بالإضافة إلى علوم أخرى من أجل تحقيق هدق معين.
3-2-1-التربية والتعليم:
لقد التبس مفهوم التربية والتعليم على كثير من العامة والخاصتة؛ فمنهم_ من جعل التربية والتعليم شيئا واحدا ومنهم من حاول وضع حدود فاصلة بينهما.
ويمكن أن نقول أن التربية عملية عامة والتعليم عملية أضيق وأنه يقع داخل دائرة عملية التربية ؛ وينصرف معنى التربية إلى السلوك والعادات والقيم والأخلاق ومظاهر الشخصية…في حين ينصرف معنى التعليم إلى اكتساب المعارف والتفكير.
ولكن هذا التحديد لا يظهر دائما صحيحا ؛ فإذا انفرد كل مصطلح عن الآخرة في سياق معين فإنه يدل على المعنى الآخر ؛ لذلك نجد الوزارات المعنية في الدول العربية قد تقتصر على التربية (تونس: وزارة التربية) وقد تنتهي إلى ذكر التعليم والإرشاد والتكوين….
ولكن من الأهمية بمكان التأكيد على ضرورة وأهمية وأسبقية التربية على التعليم ؛ وانسجام التربية والتعليم.
4-2-1-التعليمية
اعتبرت التعليمية ولازالت كفن تدريبي ؛ وهي مرتبطة بكفاءة المعلم من حيث طريقة إيصال المعلومات والمعارف للمتعلمين بالقدر المناسب .
وهناك مصطلح آخر في نفس المعنى هو مصطلح ديداكتيك Didactique ( هناك مصطلح التدريسية وهو استعمال عراقي غير شائع) .
مصطلح التعليمّية أو الديداكتيك اصطلاح قديم حيث استخدم في التربية منذ بداية القرن 17 ولكنه تطور في معناه وفي دلالاته حتى الوقت الراهن.
Didactique مشتقة من الأصل اليوناني Didaktikosومعناه فلنتعلم أي أعلمك وأتعلم منك وقد استخدمت هذه الكلمة في علم التربية أول مرة سنة 1613م من قبل هيلوينج Helwing
كمرادف لفن التعليم ؛ واستمر هذا المفهوم سائدا حتى القرن 19 حيث وضع الفيلسوف الألماني هيربارت (1841-1776) الأسس العلمية للتعليمية كنظرية للتعليم تستهدف تربية الفرد ٠وفي القرن العشرين مع ظهور تيار التربية الحديثئة بزعامة جون ديوي أصبحت التعليمية نظرية للتعلم لا للتعليم . فالديداكتيك علم تطبيقي وهي دراسة العملية لتنظيم وضعيات التعلم قصد اكتساب المتعلم أهدافا معرفية عقلية أو حركية أو وجدانية…فهي تعين المعلم على كيفية التعليخ» و المتعلم كيف يتعلم»
كما تهتم بدراسة محتوى المادة الدراسية.
5-2-1-البيداغوجيا:
كلمة يونانية Paidosمركبة من مقطعين وأصله PED بمعنى_الطفل والمقطع الآخرOggé وأصله Agogie بمعنى القيادة والتوجيه. فالكلمة تعني توجيه الأطفال وتربيتهم. ولقد ظهرت هذه الكلمة في أثينا اليونانية حيث كان يكلفون عبدا مسنا حكيما لمرافقة أبنائهم
للمدرسة والقيام عليهم في شؤونهم الدراسية؛ وكانوا يطلقون عليه لقب”البيداجرج” Pedagog ثم تطور هذا المصطلح وأصبحت البيداغوجيا في العلوم التربوية هي طريقة أو وسيلة التعلم وفي العصر الحالي تتناول كل الظروف العملية التربوية .(البيداغوجيا هي التناول القديم جدا للظاهرة التربوية في وجهها التعليمي).
3-1- ضرورة التربية:
التربية ضرورة فردية وضرورة اجتماعية ؛ وكلما ترقى الإنسان وتطورت حياته؛ ازدادت حاجته إلى التربية ولقد بقيت التربية في العصور القديمة حكر على الطبقات دون غيرها حتى قيام الثورة الفرنسية في أواخر القرن 18 حيث أصبحت حقا للجميع. وهو ما أكدته القوانين والتشريعات الصادرة عن الأمم المتحدة .
أولا: ضرورة التربية للأفراد:
يحتاج الأفراد إلى التربية لأسباب جوهرية:
العلم لا ينتقل من جيل لآخر بالوراثة: فالعلوم والخبرات التي يكتسبها الآباء لا تنتقل بالوراثة البيولوجية إلى الأبناء +كما هو شأن الصفات الفطرية غير المكتسبة ؛وإنما هي ميراث اجتماعي “جاهد الجنس البشري في اكتسابه وحافظ عليه آلاف السنين»وإذا ما أراد أن ينقل هذة المعارف والعلوم والمهارات والعادات … إلى جيل اللاحق ما عليه إلا أن يسلك طريق التربية.
الطفل البشريمخلوق عاجز.قابل للتكيف: الطفل البشري مخلوق ضعيف كثير الاعتماد على الآخرّين رغم أنه يتميز عن باقي المخلوقات بقدرته الكبيرة على التكيف عن طريق التعلم فهو يتعلم مهارات ومعارف جديدة كثيرة في وقت قصير؛فالطفل البشري يولد قبل أن يتم نضجه وتكتمل مقدرته على التعامل مع محيطه ؛ويظل زمنا طويلا بعد الولادة متخلف النضج (لا يبلغ حتى سنن 13 سنة تقريبا ؛ولا يبلغ أشده حتى سن 18..) .
في حين أكثرالحيوانات لا تكاد تجيء حتى إلى هذا العالم حتى تستقل عن أبويها وتقوم بحاجاتها البيولوجية .
ولكن من جهة أخرى الطفل قابل للتكيف فعلى الرغم من أنه أقل قدرة عليه من صغار الحيوانات في أول الأمر والتي لا تلبث أن تتوقف عند حد معين إلا أن يفوقها – فكلما نضج ومرت به السنوات ازداد تكيفا وخبرة ومعرفة.
ولما كان الطفل كذلك فإنه يحتاج ضرورة إلى التربية التي تتعهده بالرعاية والتوجيه ونقل المعارف والخبرات حتى يستطيع المحافظة على حياته.
البيئة البشرية كثيرة التغير والتعقيد: يولد الطفل البشري في بيئة معقدة ماديا واجتماعيا وروحيا يصعب عليه التكيف معها ؛وكلما تقدم المجتمع كلما تعقدت البيئة وأصبحت التربية ضرورة ملحة لتبسيطها وحل مشكلاتها والتكيف معها.
وأما التغير السريع فهو من خصائص العصر الحديث خاصة فمن واجب المعلمين أن يعودوا الأطفال على حل مشكلاتهم بأنفسهم عن طريق التفكير لا أن يلقونهم حلولا جاهزة.
ثانيا : ضرورة التربية للمجتمع:
يحتاج المجتمع إلى التربية لأنها تساعده على سد حاجتين أساسيتين هما:
1) الاحتفاظ بالتراث الثقافي: إذا أراد المجتمع المتحضر أن يبقى ويستمر فلا بد له من الاحتفاظ بتراثه الثقافي وأن ينقله إلى جيل الناشئين ءكما أن هذا الجيل الجديد لا بد أن يكون على استعداد لتقبل هذا التراث الثقافي وإلاً عاد إلى البداوة والتخلف.
2) تعزيز التراث_الثقافي: يحتاج المجتمع البشري للتربية لتعزيز التراث وتجديده لا الاحتفاظ به وحسب؛ وإلاً تحول إلى مجتمع رجعي متخلف ؛ وعلى التربية أن تقوم بتخليص هذا التراث من العيوب وعوامل التخلف المعطلة لمسيرته وتقدمه.
4-1- صلة التربية بالعلوم الأخرى:
1-4-1-التربية والفلسفة:
كانت الفلسفة منذ القدم تستمّى_بأم العلوم وكانت التربية أحد هذه العلوم المتضمنة فيها فكل مذهب فلسفي لا بد أن تكون له نظريته التربوية المنسجمة معه ؛وفي الحقيقة ما فلسفة التربية إلا وجها تطبيقيا لمختلف الآراء والنظريات الفلسفية التي سّادت البشرية في مجال خاص وهو التربية.
2-4-1-التربية وعلم النفس:
المنطلق في علاقة التربية بعلم النفس هو إقرار ضرورة معزفة الكائن الذي تعطى له التربية كأكبر مبدأ في العمل التربوي.
كما أن علم النفس يمد علم التربية بمعلومات ومعارف تتعلق بنمو الفرد ويتؤوقف عليها بناء الطرائق والأساليب والمناهج التربوية كما تتجلى العلاقة بينهما في دراسة موضوع التعلم ونظرياته والعمليات العقلية ؛والدافعية للتعلم…
فلا تستطيع التربية أن تؤدي وظيفتها بدون علم النفس الذي يركز على دراسة السلوك ودوافعه خاصة إذا علمنا أن التربية الحديثة تقوم على أساس معرفة الطفل معرفة دقيقة تقوم على نتائج الدراسة والبحوث النفسية ء+ولكن رغم ذلك فإن التربية تبقى متميزة عن علم النفس في الطريقة والموضوع.
ولقد بين بياجيه أن الروح العلمية للبحوث النفسية وطرق الملاحظة هي التي أنعشت علم التربية وذلك عندما تجاوزت ميدان العلم والبحوث بشكل عام إلى ميدان التجريب المدرسي.
3-4-1-التربية والبيولوجيا:
كل تربية لا بد أن تأخذ بعين الاعتبار مستوى النمو الذي بلغه الفرد؛ والنمو لا ينحصر في ضرورة النضج الفيزيولوجي بل ينتج أيضا من تأثير العوامل الخارجية .
إن المعرفة الدقيقة للأزمنة البيولوجية التي يمكن أن ينطلق فيها تدريب النشاطات الرئيسة للسلوك الإنساني مهمة جدا لأنها تجنب محاولات التعلم المبكرة السابقة لأوانها وغالبا ما تكون غير مجدية وحتى ضارة ءكما أن معرفة مراحل هذا النضج يشكل أحد أهم الشروط الأساسية لتعلم المواد الدراسية والطرائق التي تقترحها المؤسسات التربوية.
وتجدر الملاحظة إلى أن وتيرة النمو وتطورات النضج تختلف من فرد إلى آخر وأن العمر الزمني لا يمكن أن يستخدم كمؤشر دقيق في هذا المضمار .
4-4-1-التربية وعلم الاجتماع:
العلاقة بين علم التربية وعلم الاجتماع وثيقة ؛ومما يدل على ذلك ظهور فرع مهم من فروع السوسيولوجيا هو (علم الاجتماع التربوي) الذي نشأ وتطور في القرن العشرين ويجمع بين علم الاجتماع وعلم التربية ؛ويدرس في جميع الكليات والجامعات في العالم ؛فالأمس الاجتماعية مهمة في العملية التربوية وذلك لأن التربية لا تتم في فراغ وإنما في مجتمع له أسس اقتصادية وسياسية وثقافية وتربوية والمجتمع في وجوده واستمراره وتطوره يحتاج إلى تربية.
5-4-7 التربية والتاريخ.
يقول العلامة ابن مخلوف المالكي في كتابه””شجرة النور الزكية في طبقات المالكة” مبينا أهمية التاريخ للإنسان:
ليس بإنسان ولا شبهه من لا يعي التاريخ في صدرة ومن روى أخبار من قد مضى أضاف أعمارا إلى عمره فالتاريخ هو ذاكرة الشعوب ؛ وهو علم ضروري ومهم لجميع العلوم “ومن أهم مايتميز به الإنسان عن غيره هي أن كل جيل من البشر يعرف تجارب الجيل الذي سبقه ويستفيد منها فيأتي بذلك يومه أكثر تقدما من أمسه »ويجيء غده أفضل من يومه ءوهذا هو مفهوم التربية.
إن التربية في علاقتها مع التاريخ تكون ما يسمى بتاريخ التربية الذي يدرس حركة المجتمعات البشرية وتفاعلاتها وتأثيراتها على التربية.
6-4-1-التربية والإحصاء:
الإحصاء هو علم يبحث في طرق جمع الحقائق الخاصة بالظواهر العلمية الاجتماعية التي تتمثل في حالات أو مشاهدات متعددة ؛وفي كيفية تسجيل هذه الحقائق في صورة قياسية رقمية وتلخيصها بطريقة يسهل بها معرفة اتجاهات الظواهر وعلاقات بعضها ببعض .ويبحث أيضا
في دراسته هذه العلاقات والاتجاهات واستخدامها في تفهم حقيقة الظواهر ومعرفة القوانين التي تسير تبعا لها .
ويلجاً الباحث إلى تحليل نتائجه تحليلا إحصائيا ليدرك مثلا مدى تجمعها أو تشتتها ؛ويهدف بذلك إلى فهم العوامل الأساسية التي تؤثر على الظاهرة التي يدرسها محاولا الوصول إلى قانون عام يصلح لتفسير تلك الظاهرة والظواهر الأخرى التي ينتمي إليها ؛ولهذا كان الإحصاء من أهم الوسائل التي تستعين بها العلوم ومنها علوم التربية في الوصول إلى النتائج وتحليلها وتعميمها.
5-1-تصنيف ميالاري Mialaret المطوّر (الحديث) لعلوم التربية
يشمل التصنيف الحدييث لعلوم التربية كما حدده ميالاري ثلاث فئات هي:
- العلوم التي تدرس الظرزوّف العامة والمكلية للتربية (تاريخ التربية- علم إجتماع التربية- الديمغرافيا المدرسية- اقتصاديات التربية- التربية المقاربة).
- العلوم التي تدرس وضعية التربية والأححداث التربوية نفسها (فزيولوجية التربية- سيكولوجيةالتربية- الإتصال التربوي- التعليمية- الطرائق- الأندارغوجيا- التقويم والدوسيمولوجيا).
- العلوم التي تتناول الفكر التربوي وتطوره (فلسفة التربية).
1-5-1- العلوم التي تدرس الظروف العامة والمحلية للتربية:
1-1-5-1- تاريخ التربية:
تاريخ التربية هو أحد مكونات التاريخ العام وموضوعه يتمثل في دراسة المسائل المرتبطة بالتعليم والتربية في مختلف المراحل التاريخية في العصر القديم والوسْيط والحديث والفترة المعاصرة.
ويشهد تاريخ التربية تفرعات تتكامل فيما بينها لكنها لم تبلغ كلها نفس الدرجة من التطور مُنها:
- تاريخ الفكر البيداغوجي والأفكار التربوية.
- تاريخ المناهج والتقنيات البيداغوجية (مثلا تطوّر تصميم الكتب).
- تاريخ المؤسسات التربوية (باعتبار أنَّ في كل مرحلة من مراحل تاريخ المجتمع تظهر مؤسسات استجابة للحاجة…..)
2-1-5-1- علم اجتماع التربية:
يبرز علم اجتماع التربية في مستويين أولهما تمثله مكانة المدرسة في المجتمع والدور الذي تقوم به؛ وثانيهما تمثله المدرسة كمجتمع في حدّ ذاتها.
3-1-5-1- الديمغرافيا المدرسية:
باعتبار المجتمع المدرسي خاضع لحركة داخلية متمثلة في تكرار السنوات أو الرسوب والانقطاع عن الدراسة؛ والتوجيه المدرسي… فكلَ ذلك يتم قياسه عن طريق الديمغرافيا المدرسية وتسعى إلى تبيين الحالة التي يكون عليها مجتمع الأطفال من حيث تعداده وتوزيعه
حسب بعض المتغيرات كالسن والمستوى الدراسي ونمط المؤسسة والجنس…
وإنه لمن غير الممكن أن نتناول العلاقات الإنسانية داخل وضعية تربوية ما إذا كنا لا نعير الاهتمام إلى الجوانب الكمية لهذه الوضعية.
4-1-5-1- اقتصاديات التربية:
لا يمكن للمؤسسة مهما كان نوعها أن تعمل بدون أن تكون لها ميزانية؛ وقد تطورت اقتصاديات التربية من هذا المتظور أي دراسة الميزانيات والتكلفات التي تتطلّبها التربية والتوقعات المنتظرة في هذا الميدان.
5-1-5-1- التربية المقارنة:
التربية المقارنة هي ذلك الجزء من النظرية التربوية الذي يهتم بتحليل وتأويل مختلف الممارسات والسياسات في مجال التربية في مختلف البلدان ومختلف الثقافات هدفها هو جمع وتصنيف كل المعلومات الوضعية والكمية التي تخص الأنظمة التربوية بكلَ ما تتضمنه من مدارس وإدارة وأساتذة وتلاميذ وبرامج …. إلخ.
وهناك أهداف فرعية عديدة ترمي إليها التربية المقارنة ويمكن إجمال ذلك فيما يلي:
- دراسة نظم التعليم في مختلف البلدان لفهم مشكلات التربية التي تواجهها هذه البلدان ومعرفة الطرق التي اتبعتها في إيجاد الحلول لهذه المشكلات.
- مساعدة الدارسين على فهم المشكلات التربوية في بلدهم والقيام بالموازنة بين الجانب النظري والجانب العملي وفهم التربية في مجتمعهم.
- الوقوف على المناهج والخطط والنظم المدرسية عند الغير والاستفادة من نقاط القوة فيها.
2-5-1- العلوم التي تدرس ظروف الفعل التربوي:
1-2-5-1- فيزيولوجية التربية:
تتناول فيزيولوجية التربية الحالة الصحية للتلاميذ والتوازن الغذائي…؛ فلقد دلت البحوث تأثير التغذية مثلا كما وكيفتا على التحصيل الدراسي للتلميذ وكذلك العناصر الكيماوية الضرورية للذاكرة.
والجديد بالذكر أن فيزيولوجية التربية لم تتوقف عند هذا الحدّ بل تناولت بالدراسة ظروف الحياة المدرسية كالتهوية؛ الإضاءة؛ الألوان الصوت.
2-2-5-1- سيكولوجية التربية:
تتشكل سيكولوجية التربية من مجموع الدراسات التي تنصبٌ على السلوكيات والأنساق الفردية والجماعية التي يحدثها الفعل التربوي (وهذا قبل وأثناء وبعد تلقيهم لهذا الفعل التربوي).
ومن بين المجالات التي تتضمنها سيكولوجية التربية؛ التعلم وما يرتبط به من مواضيع كالدافعيةوالعمليات العقلية كالانتباه والذاكرة…؛ والطرائق والتقنيات التربوية؛ وعلم النفس الاجتماعي …
3-2-5-1- الاتصال التربوي:
ويتأسس هذا العلم على البيولوجيا وعلم النفس وعلم النفس الاجتماعي؛ ويتناول بالدراسة التواصل بصفة عامة وخضائص الإرسال وصعوباته وكذا حالة المستقبل.
4-2-5-1 علوم تعليمية المواد وبناء المناهج:
وتهتم بدزاسة كل ما هو تعليمي تعلّمي؛ أي كيف يِعلِّم الأستاذ؟! وكيف يتعلم التلميذ؟! وما هو محتوى المادة الدراسية المناسبة لمستوى نمو ونضج التلاميذ المعرفي.
5-2-5-1- علوم الطرائق والتقنيات:
وتختلف الطرائق والتقنيات التربوية من عصر إلى عصر فنجد الطرائق التقليدية والطرائق الحديثة؛ كما تختلف من مدرسة إلى أخرى.
6-2-5-1- الأندراغوجيا Andragogie
ويرجع هذا العلم الحديث نسبياً إلى اللغة اليونانية Andragogie مكوّنة من جزأين Andraوتعني الرجل أو الرشد Ogogie تعني التوجيه والقيادة» وبنتها اليزونسكو للإشارة لما يسمى ” بتكوين الأشخاص الراشدين .
إن بيداغوجيا الكبار أي الأندراغوجيا هي ميدان دراسة ظهر بصفة متأخرة نسبيا في حقل علوم التربية؛ وهذا كإجابة للتساؤل المطروح: هل هناك خصوصية ينفرد به التعلم عند الراشد؟! وكيف يمكن تناول هذه المسألة من المنظور الاستيمولوجي؟!.
تهتم الأندراغوجيا بدارسة المظاهر المتعلقة بنظرية وتطبيقات تعليم الكبار فهي علم وفن مساعدة الراشد على التعلم. وهي علم له أسسه ومبادئه بحكم اختلاف شخصية الراشذ (الفيزيولوجيّة؛ المعرفية؛ النفسية؛ الاجتماعية …… ) عن شخصية الطفل.
7-2-5-1 التقويم والدوسيمولوجيا:
مما لا شكَ فيه أن نجاعة الفعل التربوي أصبحت مرهونة بالتقويم الذي أصبح علما مركزيا في حقل علوم التربية. ولقد تطور مفهوم التقويم وتطورت حركته خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية أين ظهرت تيارات بيداغوجية مختلفة هدفت إلى تعويض إجراءات التقويم التقليدية التي تتصف بنوع من الذاتية ونقص الثبات بأساليب حديثة تتسم بالموضوعية والتنظيم.
3-5-1- العلوم التي تتناول الفكر التربوي وتطوره:
1-3-5-1- فلسفة التربية:
وهي الدراسات النقدية للفكر التربوي في أسسه؛ وفرضياته» وانعكاساته على جوانب الحياة المتعددة.