الثالثة ثانوي

التوسع الإستعماري الأوروبي و إقتسام العالم

المقدمة:

التوسع الإستعماري الأوروبي و إقتسام العالم.لئن انطلقت الحركة التوسعية الاستعمارية الأوروبية منذ القرن السادس عشر وتواصلت بين مد وجزر في القرنين السابع عشر والثامن عشر، فإنها قد نشطت منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر عقب نضج الثورة الصناعية وتحولات الاقتصاد الرأسمالي الصناعي مما أحدث تسابقا مذهلا بين القوى الأوروبية من أجل الاستحواذ على المستعمرات ومناطق النفوذ الاقتصادي مما أفضى إلى توتر العلاقات الدولية وأدى إلى اقتسام العالم.

I. أسباب التوسع الاستعماري والإمبريالي:

تعددت الأسباب :

1- الأسباب الاقتصادية من الدوافع الرئيسية للتوسع :

أدي تضخم الإنتاج الصناعي والتراكم الهائل للثروة المالية من ناحية ثم الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلدان
الصناعية منذ 1873 من ناحية ثانية إلى بروز الحاجة الملحة لأسواق خارجية لتصريف فوائض الإنتاج الصناعي
والسيطرة على مواقع المواد الأولية ولاستثمار رؤوس الأموال.

أ- البحث عن الأسواق

عندما بلغت الأسواق الأوروبية درجة التشبع، وازداد الوضع تعكرا إثر الكساد الكبير لسنة 1873، وتوخت جل البلدان الصناعية السياسة الحمائية، انهارت الأسعار وقلت المرابيح فاندفعت البلدان الأوروبية للبحث عن أسواق جديدة والاستحواذ على المستعمرات لضمان ترويج مصنوعاتها وتأمين تزويد مصانعها بالمواد الاولية . 

ب- المستعمرات أفضل مجال لاستثمار رؤوس الأموال

تراكمت الأرباح الهامة بيد الرأسماليين في فترة الرخاء والازدهار كما تضاعفت القدرات المالية للبنوك خاصة إثر نضج هياكل النظام الرأسمالي وبلوغ المؤسسات مرحلة الاستقطاب المالي والاحتكارات إلا إن فرص توظيف رؤوس الأموال المربح قد تقلصت بالبلدان الأوروبية ونزلت نسب الأرباح من 5 % إلى 3% فأصبحت المستعمرات تمثل أفضل أسواق الاستثمارات فتسابقت الدول والمؤسسات في ما وراء البحار لتقديم القروض للدول الضعيفة وإنشاء المشاريع الاقتصادية التي تتطلب تمويلات ضخمة كإنشاء السكك الحديدية والمواني والمصارف والمزارع للتمتع بنسب أرباح مغرية تفوق 8% وتصل إلى 15% وإنشاء البنية الأساسية التي سمحت باستنزاف ثروات المستعمرات ونقلها إلى البلدان
المصنعة وقد مثل هذا التسرب المالي والاقتصادي سببا من الأسباب الرئيسية لانتصاب الاستعمار الفرنسي بتونس والمغرب الأقصى أو الإنقليزي بمصر..

2- الأسباب السياسية والاستراتيجية

بعد استكمال بناء الوحدتين الألمانية والإيطالية وتدعم المد القومي بأوروبا أصبح التوسع الاستعماري يمثل عامل مجد
وقوة للأمم التي أصبحت عظمتها كما يدعي الفرنسي جول فيري أو الإنقليزي شمبرلاين تقاس بمدى اتساع إمبراطورياتها الاستعمارية. تركزت اهتمامات الدول على تأمين المواصلات البحرية والقارية بينها وبين مستعمراتها، ومناطق نفوذها حفاظا على مصالحها القومية وعملا علي منع القوى المنافسة من تحقيق أهدافها فتسابقت هذه الدول لاحتلال المواقع
الاستراتيجية ومناطق الارتكاز البحرية (كالمضايق والجزر والقنوات). وقد أولت إنقلترا مثلا هذه المسألة أهمية بالغة لضمان سيطرتها على المسالك التجارية البحرية في العالم.

3 أسباب أخرى لتبرير التوسع الاستعماري الإمبريالي

– تحت تأثير الضغط الديمغرافي الذي عرفته خاصة بعض الأقطار الأوروبية، اندفعت أعداد هائلة من المهاجرين خاصة إثر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية نحو القارات الأخرى التي أصبحت تمثل مناطق جذب استقطبت الفائض السكاني الأوروبي كما وجد بعض السّاسة في توجيه فائض السكان نحو المستعمرات تخفيفا لحدة التوترات الداخلية حيث بلغ عدد المهاجرين الأوروبيين بين 1850 و1900 الـ40 مليون نسمة.
– ارتفعت أصوات بعض المثقفين والسياسيين القائلة بتفوق الرجل الأبيض على بقية الأجناس والداعية إلى واجب قيام الأمم الأوروبية المتحضرة بتمدين الشعوب الأخرى.
هكذا جاءت هذه الدوافع لتبرير السياسة التوسعية والإمبريالية التي كانت تهدف بالأساس إلى نهب واستغلال ثروات
الشعوب الضعيفة لفائدة القوى الاستعمارية مما يفسّر تسابق هذه القوى من أجل الاستحواذ على مزيد الأراضي قبل
الآخرين. وقد ساندت هذه الحركة التوسعية والإمبريالية شخصيات سياسية وأوساط دينية ومثقفون وجمعيات
جغرافية ومسكتشفون وصحفيون ورجال أعمال وعسكريون… 

II – التنافس الاستعماري واقتسام العالم

احتد التنافس الاستعماري خاصة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر عند التحاق كل من ألمانيا وإيطاليا بالسباق
الاستعماري في وقت تقلصت فيه مجالات التوسع.

1-التنافس الاستعماري لاقتسام إفريقيا

أدى تأجج التنافس على اقتسام إفريقيا إلى نشوب عدة أزمات بين القوى الاستعمارية كادت تتحول إلى نزاعات
مسلحة :

أ- التنافس على إفريقيا الاستوائية

إثر استحواذ فرنسا على جزء من حوض الكونغو سنة 1882 واستيلاء بلجيكا على ما تبقي من ذلك الحوض بفضل الدور الذي قام به المستكشف ستانلي Stanley واحتلال ألمانيا لكل من الكامرون والطوغو احتد التنافس بين هذه القوى الساعية إلى مواصلة التوسع بإفريقيا الاستوائية، ولتفادي الصدام بينها، دعت ألمانيا إلى عقد ندوة برلين 1884- 1885 التي حضرتها الدول المعنية بالتوسع وأقرت المبادئ العامة التي ارتكزت عليها الحركة الاستعمارية ومنها اعتماد سياسة الترضيات والتعويضات والتنازلات المتبادلة…

المستكشف ستانلي Stanley

ب – التنافس الاستعماري بين فرنسا وإنقلترا

لئن تعارضت المصالح الاستعمارية الفرنسية الإنقليزية، فقد تمت تسوية المشاكل بينهما عن طريق الديبلوماسية
والترضيات مثلما تجلى ذلك في مساندة إنقلترا لفرنسا في مساعيها للسيطرة على تونس والمغرب الأقصى مقابل قبول فرنسا للسيطرة الإنقليزية على مصر ومعالجة أزمة فاشودا التي اندلعت بين القوتين 1898 وكادت تفضي إلى نزاع
مسلح بين القوتين. وقد سويت جل المشاكل الاستعمارية العالقة بينهما بإبرام عدة اتفاقيات توجت بمعاهدة الوفاق بين الدولتين 1904. 

ج- التنافس الاستعماري بين فرنسا وإيطاليا

عارضت إيطاليا انتصاب الحماية الفرنسية بتونس 1881 لاعتبار تعدد مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية ولتواجد
جالية إيطالية هامة وقد تم تجاوز هذا الخلاف عن طريق تطبيق سياسة الترضيات والتنازلات إذ تغاضت فرنسا عن
احتلال إيطاليا لكل من إرتريا والصومال وطرابلس مقابل توسّعها بكل من تونس والمغرب الأقصى.

 صورةمعاهدة باردو أو معاهدة الحماية الفرنسية
صورةمعاهدة باردو أو معاهدة الحماية الفرنسية

د- التنافس الاستعماري بين فرنسا وألمانيا

لئن شجعت ألمانيا فرنسا على احتلال تونس، فإنها عارضت الأطماع التوسعية الفرنسية بالمغرب الأقصى وانجر عن
ذلك حدوث أزمتين خطيرتين بين القوتين (أزمة 1905 و 1911) وتم حل هذا الخلاف بمقايضة تمثلت في تنازل فرنسا
لفائدة ألمانيا عن جزء من مستعمراتها بالكونغو مقابل انتصاب حمايتها على المغرب الأقصى سنة 1912.

2- التنافس الاستعماري حول آسيا

استغلت القوى الأوروبية مستعمراتها القديمة لتوسيع نفوذها فاشتد التنافس بينها لاقتسام آسيا :

صورة كاركاتورية لإقتسام مناطق النفوذ بالصين
صورة كاركاتورية لإقتسام مناطق النفوذ بالصين

أ- التنافس الاستعماري الفرنسي الإنقليزي

أخذت فرنسا منذ 1882 تتوسع في الهند الصينية (فيتنام – كمبوديا ـ اللاوس ـ الكوشنشين) مما أثار مخاوف إنقلترا التي
بادرت باحتلال شمال بيرمانيا وطردت الفرنسيين من السيام وحولته إلى محمية إنقليزية حماية سواحل الهند الشرقية والطرق التجارية باتجاه الصين.

ب- التنافس بين إنقلترا وروسيا

تمكنت روسيا من بسط سيطرتها على سيبيريا كما استولت على آسيا الوسطى. أزعج هذا التوسّع إنقلترا فبادرت بفرض حمايتها على أفغانستان 1879 لحماية الهند التي تعد أغنى مستعمراتها مما أدى إلى تصادم الدولتين في حروب متواصلة انتهت باتفاق 1895 الذي نص على استقلال أفغانستان للفصل بين بحال توسع القوتين.

ج-التنافس للحصول على مناطق نفوذ وامتيازات بالشرق الأقصى:

ظلت السوق الصينية الواسعة مغلقة في وجه التجارة الأوروبية حتي القرن التاسع عشر. استغلت القوى الأوروبية
الحكومة الصينية تجارة الأفيون 1838 ومقتل أحد المبشرين الفرنسيين بالصين 1860 لفتح عدة موانئ صينية أمام
التجارة الأوروبية وحصولها على عدة امتيازات .
وكانت روسيا المستفيد الأكبر إذ امتد نفوذها إلى كوريا ومنشوريا مما أثار اليابان التي أعلنت الحرب على روسيا
1905-1904 انتهت بانتصاره.

الخاتمة

هكذا لعبت الديبلوماسية والتعويضات والمصادمات، أحيانا، دورا هاما في اقتسام العالم.
– في إفريقيا : كانت فرنسا وإنقلترا ثم ألمانيا المستفيد الأكبر في اقتسام إفريقيا.
– في آسيا : تحصلت كل من فرنسا وروسيا واليابان على أهم الأراضي. وتبقى إنقلترا المستفيد الأكبر بسبب ممتلكاتها
السابقة (الهند).
وتمكنت الدول الاستعمارية بذلك من فرض بضائعها ورؤوس أموالها وثقافاتها على الشعوب المستعمرة. إلا أن
تواصل تضارب مصالح هذه القوى الاستعمارية الذي ازداد حدة مع بروز قوى جديدة منذ أواخر القرن التاسع عشر
طالبت بإعادة تقسيم العالم لتنال نصيبها من المستعمرات سيكون سببا من أسباب اندلاع الحرب العالمية الأولى.

خريطة الأمبراطوريات الإستعمارية قبيل الحرب العالمية الأولى
خريطة الأمبراطوريات الإستعمارية قبيل الحرب العالمية الأولى


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى