تاريخ الدولة الزيرية في تونس وشمال إفريقيا يعود إلى الفترة الفاطمية، حيث اعتنقت قبيلة بنو زيري الإسلام الجديد وأصبحت جزءًا من الفاطميين. وقد حصل زيري بن مناد، قائد بنو زيري، على منصب كبير في الفاطميين بعد انضمامه إليهم في عام 935 م. وفي عام 971 م، حكم الفاطميون سنة إمارة في قلعة آشير في الجزائر، وهي أول عهد بنو زيري في الحكم.
بعد رحيل المعز لدين الله إلى القاهرة، أصبح بلكين بن زيري أميرًا على إفريقية في عام 973 م، وحكم بلاد تونس والشمال الجزائري (شرق البلاد ابتداء من قسنطينة). وتمددت دولته غربًا حتى سبتة، واستمرت حكم بنو زيري حتى عام 995 م.
بدأت بعدها سلالات أخرى من الزيريين تتفرع منهم، مثل فرع الزيريين الذي حكم في غرناطة، والحماديين الذين حكموا في الفترة من 1007-1015 م. وفي عام 1045 م، دعا المعز بن باديس للخليفة العباسي في بغداد، ورد فعل الفاطميون بتشجيع قبائل بني هلال العربية على غزو إفريقية في عام 1058 م.
تم حصر رقعة الدولة أثناء عهد تميم (1062-1108 م) في المناطق الساحلية حول تونس، وفر آخر الملوك الحسن عندما غزا روجر الثاني من صقلية في عام 1148 م. وفي عام 1152 م، قام الملك الحسن بتسليم المدينة عند مقدم الموحدين.
بهذا الشكل، شهد تاريخ تونس وشمال إفريقيا الكثير من التغيرات والتحولات السياسية على مر العصور.
وصل الموحدون (الأمازيغ) إلى المغرب الأوسط في عهد عبد المؤمن بن علي، الذي حكم من الجزائر ووصل إلى المغرب الأقصى في 1130 م. استولوا على المنصورية سنة 1159 م، وأقاموا فيها عاصمة لدولتهم. تمكنوا بعد ذلك من السيطرة على مدينة القيروان سنة 1160 م، واستمروا في السيطرة على تونس وشرق الجزائر.
بعد انهيار الدولة الموحدية في منطقة المغرب الأوسط في القرن الثالث عشر، تولى حكم المنصورية والقيروان وتونس عدد من الحكام المحليين والدول الإسلامية المتناحرة، مثل الموحدين الغربيين وحفصيون والمرينيون والعثمانيون. استمرت المنصورية والقيروان وتونس في العصور الوسطى كمراكز ثقافية وتجارية مهمة، وشهدت فترات من الاستقرار والازدهار، إلى أن تم الاحتلال الفرنسي لتونس في القرن التاسع عشر.
بالتالي، يمكن القول بأن المنصورية، القيروان وتونس كانت لها أهمية كبيرة في تاريخ المغرب الأوسط وشمال إفريقيا بشكل عام، وشهدت العديد من التحولات السياسية والثقافية والدينية على مدى العصور.
مدينة آشير عاصمة الدولة الزيرية
تميزت مدينة آشير بأنها عاصمة الدولة الزيرية، وتعتبر واحدة من أهم المدن التاريخية في المغرب الأوسط. تقع المدينة في سفح جبل التيطري فوق سهل ربوة تطل على بلدية الكاف الأخضر، بالجنوب الشرقي لولاية المدية، وتبعد عن العاصمة الجزائرية بحوالي 150 كيلومترًا.
تأسست مدينة آشير في عهد الحاكم زيري بن مناد الصنهاجي في عام 324 هـ/936 م، وتم اختيار موقعها بسبب وفرة المياه وإطلالتها الرائعة على جبال الكاف الخلابة. شيدت في المدينة العديد من القصور والإقامات والحمامات، ومن أشهرها قصر بنت السلطان، وما زالت بعض أطلاله شاهدة على تاريخ المدينة.
تمتاز آشير بموقعها الإستراتيجي وحصانتها الطبيعية، فهي نقطة وصل بين الشرق والغرب، وكانت تعتبر محطة عبور للتجارة من إفريقيا إلى تيهرت وتلمسان والأوراس. ولذلك، تم اختيارها لتكون العاصمة الإستراتيجية للدولة الزيرية، بالرغم من طبيعتها القاسية ومسالكها العرة.
شهدت مدينة آشير في عهد الدولة الزيرية ذروة الازدهار العلمي والاجتماعي، حيث جذبت العلماء والشعراء والرحالة من كل جهة. كما شهدت الحياة الدينية والروحية إشعاعًا فائقًا. وحتى اليوم، تحتفظ المدينة بطابعها التاريخي والثقافي، ويمكن رؤية منها جبال شفه للشمال وجبل ديرة وجبل كاف آفول ومدينة الشلالة شرقًا.
تشتهر آشير بالعديد من المعالم السياحية والأثرية المهمة، حيث يمكن للزوار زيارة العديد من المواقع الأثرية التي تعود إلى عصر الحضارة الزيرية، مثل قصر بنت السلطان وقصر المسيلة وقصر عكاشة والحمامات الرومانية.
كما يمكن للزائرين الاستمتاع بجمال الطبيعة في آشير، حيث تحتضن المدينة جبل التيطري الذي يعتبر مقصدًا شهيرًا لمحبي رياضة المشي والتسلق، كما يوفر الجبل إطلالات ساحرة على المدينة والمناطق المحيطة بها.
لا يزال العديد من سكان المدينة يعيشون في بيوت تاريخية محفوظة، ويتميزون بالودية والترحاب مع الزوار، مما يجعل آشير مدينة مثالية للزيارة والاستكشاف.
باختصار، تُعد آشير مدينة رائعة تتميز بتاريخها الغني والثقافة الزيرية الفريدة، كما تحتضن العديد من المعالم السياحية والأثرية المهمة، وتوفر للزوار فرصة الاستمتاع بجمال الطبيعة والتعرف على أصالة هذه المدينة الجميلة.
الانفصال عن الدولة الفاطمية واحتكار سلطة الزيريين
تعد فترة حكم المعز بن باديس في إفريقية من الفترات الهامة التي شهدتها المنطقة، حيث أدت الأحداث التي جرت خلال هذه الفترة إلى انحصار سلطة الزيريين وخسارتهم للسيطرة على بعض المناطق الهامة.
بعد وفاة الأمير باديس بن المنصور، تولى ابنه المعز بن باديس الحكم، وهو في سن الـ9 فقط، وحصل على يمين الولاء من قبل وجهاء صنهاجة وقضاة القيروان. وكان المعز معروفًا بجماله الرجولي وذكائه، واستغل هذه الخصائص الجسدية والفكرية في تنمية شعبيته، وقد قدمت له العديد من الهدايا والقيم الثمينة.
وقد كان المعز إضافةً إلى ذلك قائدًا عسكريًا لامعًا، حيث بدأ فترة حكمه بحملة عسكرية على الحماديين الذين احتجوا في قلعة بني حماد. ورغم أن المعز لم يحاصر المدينة، إلا أنه استعاد السيطرة على المغرب الأوسط وعيّن خاله كرامة عليه الولاية عليها. وقد توصل المعز إلى تحالف مع قائد الحماديين، حماد بن بلكين، الذي أرسل ابنه القائد بن حماد إلى المنصورية وقد قرر المعز تعيين هذا الأخير كوالياً على الجزء الشمالي من المغرب الأوسط.
في عام 1022، قام المعز بإعدام وزيره الأعظم محمد أبو الحسن بسبب نفوذه المتزايد ودوره في استمالة المعز للمذهب السني. وبعد ذلك، قام أخوه عبد الله حاكم طرابلس بتسليم المدينة لقبائل زناتة، ولكنهم عرضوا على المعز مقترح الاستسلام.
بعد وفاة المعز بن باديس في سنة 1048، خلفه ابنه الأمير الزيدي الحاكم الصالح باديس الراضي، وكانت فترة حكمه مليئة بالصراعات الداخلية والتحديات الخارجية. وعلى الرغم من امتلاكه قوة عسكرية كبيرة، إلا أنه لم يتمكن من الحفاظ على سلطته وتأمين الاستقرار في المنطقة.
وفي سنة 1057، قام الزيدي بتنفيذ خطة للانفصال عن الدولة الفاطمية، وقطع العلاقات معها، وأعلن نفسه المستقل عنها، وتولى لقب الإمام الزيدي. وكانت هذه الخطوة تهدف إلى تحقيق الاستقلال الكامل عن الدولة الفاطمية، والسيطرة على الموارد الطبيعية والاقتصادية في المنطقة.
وبعد انفصال الزيريين عن الدولة الفاطمية، بدأ الإمام الزيدي في تنظيم الدولة وبناء مؤسساتها، وتوفير الأمن والاستقرار في المنطقة. وقام بتطوير الجيش وتعزيز الحراسة على الحدود، وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات، وتحسين البنية التحتية وتطوير الاقتصاد.
وعلى الرغم من التحديات التي واجهت الزيريين خلال فترة حكمهم، إلا أنهم تمكنوا من تحقيق الاستقلال والتطور في المنطقة، وتركوا بصماتهم في التاريخ. ولا يزال تأثيرهم يشعر به في بعض الدول العربية.