الرّمزيّة في رواية حدّث أبو هريرة قال للمسعدي: رمزية الأماكن، الشخصيات، الأزمنة، الأحداث بكالوريا آداب.
الموضوع: تتجلى رواية “حدث أبو هريرة قال …” رواية رمزية من خلال أمكنتها وأزمنتها.
ما رأيك؟
التحليل:
الأمكنة في رواية “حدث أبو هريرة قال” ودلالتها الرمزية:
مكة: رمز المجتمع والثقافة العربية الإسلامية الراكدة المتوقفة عن الاجتهاد السائرة في السبل المسطورة والمغرقة في الأخلاق والتزمت.
الصحراء: رمز الامتداد والانعتاق من المكان والقيود والانطلاق والتحرر والطهارة هي الفردوس المفقود الفطرة والسرور والمتعة.
البيت: رمز الروابط الاجتماعية التي تدجن الإنسان فتغدو قیودا وأغلالا لذلك أحرقه المسعدي ليحرر بطله.
المقبرة: رمز الموت والعجز والفناء تتسم بالانغلاق وتولد في البطل الإحساس بالانقباض لذلك سعي فها إلى مقارعة هادم اللذات.
بممارسة اللذة على القبور تحديا للمصير النهائي المحتوم كما اتخذها فضاء تأمل في تجربة الروح.
جبل دير العذاري: رمز السمو والتعالي عن الجسد والمادة طلب من خلاله البطل العروج إلى السماء ينشد المطلق والحياة الروحية.
البحر: رمز المغامرة والتطهر والحكمة.
جبل النهاية: رمز الانعتاق الأبدي بالانفصال عن المادة والالتحام بالمطلق.
لم تكن أمكنة سوى مرايا تعكس حالة البطل النفسية وتعبر عن توقه إلى الانعتاق والتحرر من القيود. فكلما اتسعت وامتدت أحس بالانشراح والراحة كما في الصحراء يقول “ودام ذلك ساعة فرحت له أريحية عذبة ..” (حديث البعث الأول ) وكلما ضاقت أحس بالا نقباض والعجز يقول في حديثه عن البيوت في حديث الوضع “لقد سكن البيوت من يوم خلقت، فلم أصب منها إلى الباب أختم أتي أدخل وأشر منه، أو الجدار أعلم أنه يردني لو طلبت الخروج منه، أو السقف أخشى أن يقع علينا…”.
رمزية الأزمنة في رواية “حدث أبو هريرة قال …” ودلالتها
الفجر: زمز البداية والولادة والحياة والحركة واليقظة. والأرز بعد العالية والوجود بعد العم. قال عنه العلي “رمز الفجر إشارة إلى ابتداء الحياة أو ابتداء المغامرة الوجودية الواعية” (تأصيلا لكيان)/ “إن استطعت فأجعل كامل حياتك فجرا”
الغروب: رمز النهاية والانطلاق نحو المطلق يسم الرواية بطابع مأسوي وددت والله لو أني خلوت عن العمر، وأخذت سني فزرعتها في ريح الصبا. ألك في يوم ليس من الدهر؟ .. فقلت أين بنا؟ قال وضحك: إلى مغرب الشمس”
المستقبل: رمز التطلع إلى الآتي “فسألناه. قال: لو عشتم في مستقبل الدهر لقرأتم ما سيكتبه ابن بطوطة من خرافات الصبيان”.
إذن فالأزمنة تجسيد رمزي لمسيرة البطل في الوجود يرتحل متقلبا مجاهدا لنحت كيانه، وقد اختزلت هذه المسيرة في يوم يمتد من فجره إلى غروبه وينفتح على المستقبل لتكتسي المغامرة طابع الإطلاق فأبو هريرة لا يتحرك في عصر بعينه بل في مطلق الأزمنة ألم يقل المسعدي في تمهيد الأثر “وإنما هي آلام الإنسان يترامی صداها من قرن إلى قرن، ومن جيل إلى جيل”.
إبداء الرأي
تثمين: الدلالة الرمزية للأمكنة والأزمنة.
تنسيب: الأمكنة والأزمنة تؤصل الرواية في تراثها العربي الإسلامي من ذلك: ليست كل الأمكنة والأزمنة رمزية فمنها الواقعي.
في مستوى المكان: تبدو الواقعية في المحيط المكان الذي تدور فيه أحداث الحكاية، وتتجلى في أسماء الأماكن وفي جغرافيتها وفي العناصر التي تؤثها. في مكة ونجد وتهامة واليمن وكراع الغميم والكعبة والشام. وتمتد في هذه الأماكن الصحراء بما فيها من رمال ورياح معصرات معميات، وهاجرة ووهج وغبار، تقطعها القوافل والتوق والنجب والأفراس… “ثم اخترت من الإبل خيرها وركبت وشفته فمازلت أكده سيرا حتى نجوت. وكنت على مسيرة يوم من أحب مكان إلي. وكنت أريده. فمازلت ألح على فرسي والجمل حتى كانت الهاجرة واحتد علي حمى الشمس فالسماء حديد”.
و في مستوى الزمان: يتراءى الزمن عربيا أصيلا موغلا في القدم من خلال الأحداث الواقعة فيه (سبي، صعلكة، غزوات، تناحره الصوصية، حوانيت لذة …) “كانت ريحانة من سبايانا. سباها في بعض غزواتنا بالحيرة رجل ما يقال له لبيد …” ( حديث المزح والجد ).
ومن خلال شخوصه: (قيان. غلمان، جواري …) “وتطاير الجواري كالشعل من ورائها وطفقن جميعا يرقصن والغناء معهن كأنه دماء بل…. ( حديث القيامة ). ومن خلال ظواهره الاجتماعية (التصوف ومجاهدات الصوفية) فهو بذلك زمن تراثي يمتد من الحقبة الجاهلية وعصور الإسلام الأولى حتى العصر العباسي
من خلال أسماء مواقيته في الغلس والضحى والهاجرة
تكميل: تتأتی رمزية الرواية من خلال بقية مقوماتها الشخصيات، الأحداث، اللغة):
رمزية الشخصيات
أبو هريرة: رمز الإنسان عامة، فيه من ملامح العربي الشرقي القديم رقة وغزل وتصؤف وامتلاء بالروحانيات. وفيه من حداثة الغربي ايمان بالفرد لا الجماعة فهو نيتشوي، وفي علاقته بالحياة والموت وجودي، وفي صراعه معها عبثية ألبير كامو ويبلغ حد حيرة سارتر.
ريحانة: يتناغم فيها الجسم والاسم، فهي رائحة وراح وريحان. زهرة في جمالها وعبقها وزهرة أيضا في قصر عمرها وزوالها، موطنها الأرض تنشد إليها ولا تروم غيرها مكانا فلا ترحل، رمز الحس والجسد في أبي هريرة.
کہلان: ثوري الملامح والمنهج في هيئة المارق عن القانون، يرمز إلى فردية الثورة في أبي هريرة ومآلها.
ظلمة: مال روح أبي هريرة وقد ضلت سبيلها فأظلمت وانقطعت سبلها، ترمز إلى رغبة أبي هريرة في الكفر بالجسد والتنكر للشهوة فيه والتوق إلى الروح وفشله في ذلك.
أبو رغال: رمز الجنون مال عقل أبي هريرة لولا أن تدارکه.
أبو المدائن: رمز القرار والاستقرار والرضى والثبات (المدينة) وقد ركدت. رمز أبي هريرة قبل البعث تسقط في حياته لم وكيف؟ معنی الحياة لديه سير في السبل المسطورة والكسب من تجارة رابحة.
الزوجة: رمز الروابط الاجتماعية والعلاقات المفتنة التي ترضخ لإرادة الأعراف والتقاليد والسنن.
أحياء العرب: رمز البعد الاجتماعي في أبي هريرة.
ليست الشخصيات في الرواية إلآ أبعادا من ذات البطل، لذلك لم يقدم النا الكاتب من هذه الشخصيات إلا ما يضيء جوانب من شخصية أبي هريرة، فريحانة هي بعد الجسد فيه. والبعد الاجتماعي فيه أحياء العرب وكهلان بعده الثوري وظلمة بعده الروحي وأبو رعال بعد الحكمة حد الجنون. كما يمكن اعتبار هذه الشخصيات إجابات ممكنة عن معنى الحياة.
رمزية الأحداث
البعث: بعث مجاري يعبر عن رغبة الثقافة العربية في كسر قيود جمودها وتخلفها، وتوقها إلى اللحاق بركب الحداثة.
حرق البيت واحتراق الزوجة. رمز اجتثاث أبي هريرة من الروابط اجتماعية والصالات الأسرية والعادات المفروضة.
دعوة أحياء العرب : رمز ضرورة الفعل الجماعي المشترك إيمانا بقدرة الإنسان.
النهاية: “فلم تمض هنية حتى سمعت صخورا هاوية وصهيل ألم وصيحة كصيحة الفرح تملأ الوادي” (حديث البعث الأخر).
صيحة الفرح: سمو الروح لتلتحم بالمطلق فيفوز أبو هريرة ويسعد. صهيل الألم: انفصال الحيوان عن الإله. تؤول النهائية مجلة بنزعة صوفية شبيهة بأغلب النهايات في آثار المسعدي فتغدو قابلة للتأويل، فالحل لتجاوز مأساة الإنسان في فك الارتباط بين ما لا يتجاور – الإله والحيوان.
التأليف:
مقومات رواية “حدث أبو هريرة قال” تفتحها على الرّمزية وتجذرها في أصالتها. بقدر ما يتشبث المسعدي بهويته الثقافية بقدر ما يطقم التراث بمكتسبات الأخر الفنية.
رفض المسعدي الانسلاخ الحضاري والأدبي وتأكيده ضرورة انبناء الكتابة على مفهوم التحاور بین الذات والآخر.
“حدث أبو هريرة قال” أثر إنساني تصاهرت فيه الثقافات فنّا لتطرح قضية الإنسان دلالة.