تلخيص محور التواصل والأنظمة الرمزية -بكالوريا آداب
تلخيص المحور الثاني من محاور الفلسفة لبكالوريا الآداب : التواصل والأنظمة الرمزية.
تمهید
هي المفارقة عينها بين ما يشهده عصرنا الحالي الذي تعددت فيه الأنظمة الرمزية و تراكمت فيه وسائل التواصل على نحو تحول معه العالم إلى قرية كونية صغيرة يلتقي فيها الأنا بالآخر دون كلفة أو عناء على أكثر من صعيد ومناسبة وبين ما ارتبط بهذا الزخم على نحو عكسي من بروز لمظاهر التباعد والانعزال والفرقة والانقسام صار ينذر بالتصادم و التناحر وبكافة أشكل العنف ليشكل ازعاجا حقيقيا في علاقة الإنسان بالإنسان ومبررا كافيا لصحوة فلسفية يؤكد من خلالها الفكر على حضوره الفاعل ضد نجاعة ارتدت بالسلب على مبدعها:
فهل الرموز و الوسائل فضاء الانسان للتلاقي و التواصل أم مجال الهيمنة والسيطرة والتسلط؟
ألا تشرع هذه الرموز اليوم إلى انزلاقات خطيرة تحول الإنسان المبدع إلى كائن خاضع؟ – هل يتعلق الأمر بالرموز و الوسائل ذاتها أم بسبل استخدامها و توظيفها من طرف الإنسان نفسه؟
في تعريف التواصل:
التواصل في معناه الإيتيقي هو تفاعل إيجابي بين الأنا و الآخر ينجم عن لقاء متكافئ يحضر فيه التعقل والحوار لغاية التفاهم والإنسجام. لذلك ينزع التواصل نحو توحيد السلوك وقواعد الفعل من أجل بلوغ كونية تجمع بين الإنسان والإنسان على د المتوحد و المشترك بعيدا عن أشكال التوظيف الأخرى التي تحول التواصل تحت ضغط اليومي ومبررات الممارسة والواقع و التوظيف السياسي والاقتصادي والايديولوجي إلى مجال تتجاذب فيه قوى الهيمنة والتسلط وتتصارع فيما بينها، يختلط لديها الإغراء بالإثارة والترغيب بالتهديد من أجل السيطرة على الإنسان وشل كافة أشكال المقاومة لديه مما يضمن استجابته لمشاريعها وخضوعه لها.
التواصل واللغة
في هذا وذاك، ولما كانت اللغة أحد أنظ تواصل البشر بطرق متعددة بعضها حركي وبعضها الآخر بالكلمات والصور و الفيلسوف ينظر واصل كان البحث فيها و في طريقة اشتغالها من أهم المباحث الفلسفية إذ ليست اللغة بمعزل عن اهتمام الفيلسوف بالتجربة الإنسانية في مختلف أبعادها بما في ذلك الإنسان ككائن متكلم أو حيوان ناطق دون أن يهمل الكشف عما تحتويه داخلها من سلطة ثارية في نظامها يجعل من فعل تأثيرها متشابها لما تفعله السيوف والأسلحة.
- ما اللغة
ما هي أبعاد التواصل بواسطتها ؟
. ما هو حد اللغة في التواصل؟
وماهو حد التواصل في اللغة؟
في تعريف اللغة:
تعرف اللغة استنادا إلى معجم لالند مجموعة رموز تستخدم لغاية التواصل. ويعتبرها إيميل بنفنيست نسفا من الرموز تنتظم على صعيدين: فهي من جهة واقعة فيزيائية تستخدم الجهاز الصوتي كي تظهر و من جهة أخرى هي بنية معنوية رمزية.
عموما يمكن القول أن اللغة هي القدرة على استعمال الرموز و العلامات التي تحيل إلى مقصد سواء كانت أفكارا أو مشاعر أو أشياء لذلك تقتضي حضور الفكر كضرورة بالنسبة إلى الإنسان. ب في التمييز بين الرمز و العلامة:
الرمز هو كل تمثيل يحمل معنى ويحيل إلى استحضار شيء غائب أو غير قابل للإدراك الحسني يؤسس الرمز علاقة مماثلة بين شيئين: أحدهما مرني يشكل علامة محسوسة والثاني لا مرني بعد موطن الدلالة: كالميزان مثلا رمز للعدالة و الحمامة رمز السلام
ينطوي كل نظام رمزي على معان قابلة للتأويل لذلك اعتبر بول ريكور أن الرمز سجين تنوع اللغات والثقافات و هذا يجعله ذا طابع إشكالي على الدوام. العلامة من خصائص العلامة أنها حسية حركية تشير إلى تصرف معين، يمتثل لي لقي عند تقبلها كإشارات المرور مثلا.
في مجال التواصل يستخدم الحيوان مجموعة محددة من الإشارات لا يمكن اعتبارها علامات لغوية لأسباب يحددها اللسانيون مثل:
. محتوى الرسالة التي تحكمها الاشارة ثابت غير قابل للتغيير طابع إرسالي أحادي الجانب (خال من الحوار)
. الاحالة إلى سياق واحد وحيد
محدد طبيعي بحث بالاستناد إلى التمييز بين الرمز والعلامة يمكن أن نحدد خصائص اللغة لدى الإنسان كما يلي:
خاصية التمفصل : لقد أبرز أندري مارتينيه أن التمفصل خاصية للغة الانسانية يجعلها قابلة للتجزئة والتقسيم إلى كلمات وحروف يمكن تركيبها والتلاعب بها وفق قواعد من التعبير مما يجعلها مبدعة واقتصادية في ذات الوقت.
رمزية تعوض الأشياء بحضور أسمائها فيتحرر مستخدمها من القيود الزمانية و المكانية.
منظورة ومتغيرة على مستوى الرمز والمعنى.
اصطلاحية تنشأ من جراء تعاقد ضمني بين أفراد المجتمع لذلك اعتبرها دولاكروا مؤسسة اجتماعية بواسطتها تنتظم عملية التخاطب بين أفراد المجتمع الواحد.
أبعاد التواصل بواسطة اللغة
اللغة والتواصل مع الذات:
تمكن اللغة الفرد من التواصل مع ذاته لتكون أداته المفضلة في التعبير عن شعوره وأفكاره وأحاسيسه وبواسطة اللغة يتعرف الفرد على نفسه وتنكشف له حقيقته فيعيها كما هي وليس كانعكاس لما يريده الآخر أن تكون.
لقد بين كل من بنفنيست ولا كان أن اللغة هي الشرط الأساسي للوعي بالذات ذلك أن الإنسان بحاجة إليها كي يتعرف إلى نفسه ويدركها لذا شكلت لديه الوسيط المتميز والمعبر الذي بواسطته يلتقي الفرد مع ذاته حتى أن بتغليست قد اختصر ذلك في قوله :” يكون أنا من يقول أنا”.
ويقدر ما تكون اللغة ممر عبور تكتشف من خلالها الذات التي تعي ذاتها وتتعرف إليها بقدر ما تشكل أداء تواصل تربط الأنا بالآخر استكمالا لنقصانه وتأصيلا لوجوده الاجتماعي (باعتباره وجود مع الآخر).
اللغة والتواصل مع الآخر:
الآخر الانساني:
توس اللغة التكامل بين الذوات و هو موقف يدافع عنه مارلوبونتي الذي يعتبر التواصل بواسطة اللغة القتلها تتقاطع فيه التجارب ويلتقي الماضي بالحاضر وتستعيد تجربة الآخر حياتها في التجربة الخاصة للأنا، كما تستعيد تجربة الآخر حياته التجربة الخاصة للآخر، لذلك يبقى الفرد مرتهنا بالآخر حتى في لحظة تفرده القصوى بذاته إذ أن الحياة العاطفية والواقعية والمتخيلة لا وجود لها إلا من خلال فعل تبادل كالحاجة والكره والمحبة، ذلك أن حركاتي وأحلامي لا معنى لها إلا إذا كانت متقاطعة مع أجساد أخرى فالوجود في أبسط مظاهره وجود مع الغير ولأجله. وتبعا لذلك رأى فيسدورف في الانسان حيوانا منكلها بمقتضى ذلك يتوجه إلى الآخر ويستدعيه في فعل الكلام “فأنا أتكلم لأني لست وحيدا ” يقول فيستورف، وحتى حوار الذات مع ذاتها فعل يرجع ذاتي إلى آخر، لأن اللغة لا تأتي من واحد بل من
كثيرين فهي البينية التي تكشف عن طبيعة الوجود العلائقي للإنسان سواء بحكم اجتماعيته أو بحكم انتمائه للإنسان فالأنا المعزول في نظر فيسدورف ليس سوى تجريدا محضا.
إن هذا الأنا المعزول والمجرد هو الكائن الذي نتمثله وفق تصور يحلف عنه الجسمية (أي الوجود في العالم)، والاجتماعية (أي الوجود مع الآخر)، والثقافية (أي الوجود ضمن المعنى والرمز).
لذلك تؤسس اللغة للتواصل مع الآخر الثقافي إذ أن الاختلاف بين الثقافات لا يلغي تواصلها، يستوجب ذلك إقرارا لا مشروطا بان الآخر شبيهنا على الدوام ولا استطيع أن أتموقع في استقلال عنه لذا علي ان اكون غيري في نفس الوقت الذي اكون فيه انا نفسي فان أكون إنسانا هو أن أكون قادرا على الانتقال الى مركز منظور آخر كما بين ذلك بول ريكور ليصبح الدخول في اللغة دخولا في الثقافة يؤسس الحوار بين الثقافات يلتقي فيه الإنسان بالإنسان وليس فلان بغلان
اللغة والتواصل مع العالم لحظة تسمية الاشياء هي !
لحظة اضفاء المعنى عليها
لحظة يتحول فيها الشيء الى اسم ومعنى،
لحظة ولادة عالم جديد عالم الاسماء والمعاني والتمثلات عالم تكون فيه وساطة اللغة قطعا مع المباشرية لحظة تجعل الانسان يتكلم العالم ولا يكلم العالم بعبارة أستورف.
حد اللغة في التواصل:
حدود اللغة (اللغة والحقيقة)
1) العوامل الداخلية:
اللغة تمويه : لقد أبدى نيتشة احترازا واضحا ازاء اللغة مبرزا في ذلك: أن العقل الذي اتخذه الإنسان ادائه المفضلة لاكتشاف الحقيقة لم يفعل سوى حبك تصورات زائفة عن العالم والحياة وعن طبيعة الواقع ليضفى عليها أوهام الذات فما الحقيقة حسب نيتشة سوى حشد من الاستعارات والكنايات وضروب من تشبيه الأشياء بالانسان.
عجز اللغة: لقد ابرز برفسون تحفظه إزاء اللغة مبينا ان الاشياء التي سميناها وصنفها تحت تأثير المنفعة جعلتنا لا ندرك منها سوى اعم خصائصها الشيء الذي يجعل من اللغة ذاتها غير قادرة على النفاذ إلى حقيقة الأشياء وحقيقة والمشاعر والأحاسيس وهو ما مع الإنسان بواسطتها خارج العالم وخارج ذاته
حد التواصل في اللغة:
لقد اعتدنا القول ان التواصل رهان اللغة بل المبالغة والاسراف هو مبرر وجودها
ذلك أن البشر يمارسون حياتهم في سياق من التواصل بواسطة الألفاظ والكلمات غير أنه ما قد يبدو واضحا للعيان لا ينبغي أن يحجب عنا ما للغة من وظائف اخرى تناى بها عن التواصل باتجاه استراتيجيات تتوظف فيها الرموز والعلامات من اجل تحقيق مصالح ومنافع لغاية النفوذ والسلطة.
في هذا السياق أشار ميشال فوكو في كتابة الكلمات والاسماء الى العلاقة الخفية القائمة بين اللغة والسلطة مبينا أن الخطاب، رغم كونه أداة السلطة يتحول هو بنفسه إلى سلطة هي سلطة الخطاب وهذا ما يحول اللغة إلى أداة للهيمنة بعد امتلاكها امتلاكا للسلطة ذاتها. فبواسطة اللغة يكون الأمر والنهي والتحذير والترغيب والترهيب وكل ما يوجد من ألفاظ يحتويها معجم الإكراه والقسر لا يستدعي الامر سوى حفظها وحذق استعمالها حتى تفعل الكلمات بالنفوس ما تفعله السيوف بالرؤوس وهو ما يدعو إلى إعادة النظر في علاقة اللغة بالتواصل؟
التواصل والدين
بعد الدين أحد الأنظمة الرمزية التي ابدعها الانسان كواسطة تؤمن العلامة بينه وبين ذاته وبينه وبين الآخر وبينه وبين العالم. ان الدين كنظام رمزي يهم الفرد والمجتمع ويملك حضورا فاعلا ومستمرا داخل المجموعة البشرية يفرض التساؤل حوله والتفكير في أسبابه وعن مدى قدرة الرمز الديني على تحقيق التواصل”
تعريف الدين: الدين نظام رمزي يشهد على قدرة الانسان على التحويل اذ بواسطته حول المؤمن المقدس المتعالي
والمفارق إلى طقوس وشعائر وعبادات تصله به.
لقد أفضت تجربة التدين إلى ثنائية انتظم بمقتضاها العالم ضمن المقدس و أساس الدين وضمن هذا النظام تنتقل رسلة الدين بما يحمله من مبادئ وقيم وأوامر ونواه لتقدم رؤية متسقة للعالم “هي العالم على نحو ما يجب ان يكون”.
الرمز الديني وأبعاد التواصل بواسطته
الرمز الديني تواصل مع الذات:
إن الدين التفات نحو الذات وسبر لاغوارها سعيا الى تحقيق توازنها
فالمتدين كما بين مارسيا الياد يؤمن بان العالم والانسان خاضعان لحقيقة المقدس والذي خاصياته الاطلاق والمفارقة. إن المقدس صعيد يلاق الإنسان كائنات فوق البشر يتعامل معها طلبا للسعادة وإقصاء للشفاء.
الا ان هذا التعامل ليس شفافا ومباشرا بحكم تعالي المقدس ومفارقته مما يفرض إيجاد وسيطا رمزيا يؤمن التواصل معه اذ لا ينحصر النشاط الديني في مجال الاكتفاء بالايمان الذاتي المغلق بل يتبدى للعيان في مظاهر خارجية ومن خلال بنيات رمزية ثابتة تعكس عبقرية كل شعب وثقافته وهي الرموز الدينية التي تؤمن العلاقة بين المؤمن والمقدس فيتحول الإيمان إلى ممارسات متجسدة ظاهرة للعيان تذكر في طليعتها الصلاة وكل ما يرتبط بها من مظاهر أخرى تمكن المتدين عبر أدائها من الالتقاء بالمطلق نفسه طلبا للمعونة والمشورة أو لتحقيق التوازن النفسي وضمان
والاتصال به وبله لواعج حسن الوجود في تواصل بين الأنا والآخر.
يبسط امیل دورکهایم شرحا سوسيولوجيا بموقفه الفلسفي الخاص الذي يجعل من الاجتماعي أصل كل القيم الإنسانية بما في ذلك الدين ي يجد أصله وموضوعه في المجتمع فالله ليس سوى المجتمع في قالب رمزي يقول دوركهايم في هذا السياق: ” ليست الألوهية غير المجتمع المتغير الشكل”.
أما المقدس وكل ما يتضمنه من طقوس واحتفالات فهو صيانة للتضامن الاجتماعي يحمل على النظام وعلى توحيد المجتمع البشري عبر مدة بالمشاعر الدينية التي توحده ليكون الاشتراك في العقيدة لدى الفرد شعورا يكرس الانتماء ويساهم في ربط صلة التاخي بين الأنا والآخر بغض النظر عن الفوارق الطبقية والانتماءات العائلية والدرجات العلمية والمعرفية وبهذا المعنى تتحقق الوظفية الاجتماعية للدين كرابطة عقائدية توحد البشر على مستوى الشعور والممارسة وهو ما يبرر أسباب قيام الطقوس الدينية بشكل جماعي.
الرمز الديني تواصل مع العالم
الدين محاولة الإنسان لترويض العالم فهو فعل اقتحام الإنسان للطبيعة من اجل فهمها والسيطرة عليها لما رأى فيها من قوة تهدد وجوده وتعرض حياته للخطر، لقد حول الانسان جهله وخوفه من الطبيعة (يقول لوكراس) إلى ممارسات يأتيها تقربا من الآلهة كي يتجنب غضبها فكانت الشعائر والطقوس وسائل
التواصل مع المقدس وسعيا الى الاقامة بجانبه ولذلك يتوسط الدين علاقة الانسان بالعالم.
- يؤدي الدين في ذات الوقت وظيفة معرفية لدى المتدين إذ يمده بالأجوبة عن الأسئلة التي طالما ظلت لغزا بحيره وغموضا يؤرقه ليمثل له خارطة طريق تر شده و تبعده عن مسلكية العنف الطبيعي، لذلك يشكل الاعتقاد الديني رؤية مخصوصة للعالم يقع فيها بناء الواقع المتدهور على نحو رمزي يكون الخيال الانساني نصيب كبير فيه يجعل هذا الواقع قابلا للعيش رغم نقصانه.
التواصل والصورة
تعد الصورة إحدى أهم وسائل في عصرنا الحاضر. لقد تمكنت الصورة من افتكاك المشهد التواصلي إلى جانب الوسائط الأخرى “كالمحمول والمتباع “. وكذلك التلفزيون والانترنات ” الذي يقوم التواصل فيهما بواسطة الصورة نفسها إلى حد اننا أصبحنا محاطين بترسانة من الصور تحول معها الجميع الى متفرجين تلعب بنا الصور كيفما شاءت فتفرض علينا معارف و معلومات يختلط فيها الواقعي بالخيالي في سياق مجتمع جديد اطلق عليه في ديبور صفة “مجتمع
الفرجة ” حيث بات الجميع ضحايا رمزيتها الفاعلة والمؤثرة تحثنا على الاستهلاك وتهيكل لنا الوعي واللاوعي، تنفعنا إلى الاستجابة إليها بفعل إغراءاتها بل وتحشرنا ضمن مشاهد نخال أنفسنا طرفا فيها لتحدث لدينا شكيزوفرينا يغدو فيها الواقع المتدهور فعلا إلى متخيل فنتازمي تحلو فيه الاقامة والعيش
فيتهيأ الفيلسوف لذلك عبر وسائله النقدية التي تنفذ إلى ما وراء جمالية الصور لتكشف عن الوجه المغالطي فيها: يقول ريجيس ديبراي ما برينا العالم هو ايضا ما يعمينا عن النظر اليه “انه ايديولوجيتنا”.
1) النظرة الضيفة للاحداث
الأوجه المغالطية للصورة
يشير بيار بورديو في كتابة عن التلفيزيون الصادر سنة 1995 الى الطريقة التي بها تعالج بها الأحداث والمشكلات وفق نظرة وطنية ضيقة تستغل فيها المشاعر والعواطف والاحاسيس لتوحيد الراي العام نحو تبني وجهة نظر معينة ترضي اصحاب السلطة والنفوذ وتساهم في إضفاء صبغة محددة للحدث فتخلق تعاطفا أو مخاوف أو تمثلات خاطئة يريدها أصحاب النفوذ والمصالح.
إستغلال العواطف المشاهدين
تحدث عن الهيمنة الرمزية للصورة استغلال للاذواق وخداع يبلغ أكبر عدد . من خلال تقديم عروض معينة من التجارب دون أحجبة ترضي أشكالا من التلذذ عند النظر إلى مشهد يرامي” يتصور معه المتفرج بفعل الاندماج فيه انه يعيشه فعلا فيحقق له متعة زائفة.
تزييف الوعي
إن الصورة في المجتمع المعاصر وبجماليتها المبهرة مجال للبصر الخادع، وبكثافتها الدلالية تحيل على غيرها “كالمنتوج في عملية الإشهار لتكرس وعيا استهلاكيا يعمم على الجميع بمختلف طبقاتهم الاجتماعية وتبعدهم عن الواقع بجعلهم يتشبهون بالمشاهير وسلوك النجوم لا في استهلاك منتوجات بل باستهلاك علامات.
لذلك تصبح الصورة أداة لتحكم اجتماعي وسياسي واقتصادي وليست اداة لتسجيل الواقع.
أما شبكة الانترنات وعلى الرغم من أهميتها في تقريب المسافات واسهامها الفاعل في نشر العلم والمعرفة على نحو واسع وسريع فقد اصبحت هي الأخرى خاضعة للمراقبة والتحكم بطرق مختلفة ( كالحجب مثلا) من طرف أصحاب السلطة والنفوذ ضد كل ما يتعارض مع توجهاتهم وقناعاتهم واذواقهم ومشاريعهم كما اسهمت هذه الشبكة في انشاء تواصل افتراضي شكل بديل لتواصل حقيقي حميمي بين الانا والآخر.
أما بالنسبة إلى المحمول الذي جعل من كلم فقد اسهم بدروه في فتعال المشاكل، بواسطته صارت نضرب الوعود الزائفة وكافة انواع الكذب والنفاق والتملق الذي لا يكلف مستخدمه سوى حذق الكلام في غياب الحضور الفعلي للوجه المتخفي خلف الآلة.
لقد اسهمت هذه الوسائل والوسائط والانظمة التواصلية في تكريس ازمة حقيقية في علاقة الإنسان بالإنسان لينشأ مع حضورها المكثف وضعا عكسيا ومفارقيا تجتمع فيه كل مظاهر العزلة والفرقة والتباعد والتعصب والصراع والتنافر، غير أن الفيلسوف وبمقتضى يقظته الفكرية يدرك تمام الادراك ان ازمة التواصل ليست في جوهرها ازمة وسائط او وسائل او نظم بل هي ازمة الإنسان نفسه الذي أبدعها واستخدمها ووظفها ضمن استراتيجيات يجعلها تنأي عن التواصل في مثلوله الإنساني في اتجاه أهداف براقعاتية يتقاطع فيها السياسي بالاقتصادي من أجل مصلحة البعض وليس الكل، مصلحة الأنا دون الآخر ان ازمة التواصل هي أزمة معنى قبل أن تكون أزمة وسائل وأنظمة وأدوات، هي أزمة فهم غير قادر على إدراك التواصل ضمن سياق الكوني والعام والمشرك.
إذا كانت الصورة وسيلة للمغالطة فإن حسن توظيفها من طرف الإنسان يحولها إلى أداة بيدا عوجية هامة تساعد على التلقي والفهم والاستيعاب وأداة معرفية توفر المعلومة لتكون خير سند للباحث وبواسطتها تكشف الحقيقة وتظهر زيف الصور الأخرى.