الولادة والنشأة
ولد فرحات حشاد في 2 فبراير/شباط 1914 في بلدة العباسية في جزيرة قرقنة على ساحل مدينة صفاقس جنوبي تونس. تربى في أسرة فقيرة حيث كان والده صياد سمك وأب لثلاثة أبناء. دخل المدرسة الفرنسية في سن السادسة وحصل على الشهادة الابتدائية عام 1929. لكن بعد وفاة والده، لم يتمكن من مواصلة تعليمه وانضم إلى سوق الشغل وأصبح ناقلاً بضائع في إحدى شركات النقل البحري. في فترات لاحقة، تمكن من صقل شخصيته وتطوير معارفه النقابية والثقافية والسياسية عن طريق المطالعة والتثقيف.
العمل والنشاط النقابي
في عام 1943، انتقل فرحات حشاد إلى مدينة صفاقس بتونس بعد اختياره رسمياً موظفاً عاماً. وقد استأنف هناك نشاطه العمالي في اتحاد عمال صفاقس، حيث ناضل بنشاط في سبيل المساواة بين العمال التونسيين والفرنسيين في الحقوق المدنية والمساواة.
وفي العام التالي، اختلف فرحات حشاد مع الاتحاد الإقليمي الذي كان يتبع الكنفدرالية العامة للشغل الفرنسي، فترك الاتحاد وكوَّن هو وعدد من زملائه اتحاد النقابات المستقلة بالجنوب. وبدأ الدعوة للاستقلال عن فرنسا.
يُعتبر فرحات حشاد من الزعماء القلائل الذين التحقوا بالنضال المبكر والعمل النقابي. فقد أسهم في المجال النقابي داخل الكنفدرالية العامة للشغل الفرنسية في سنة 1936م، وناضل بنشاط وسط هذه النقابة.
ومن ثمرات هذا المسار والنشاط الفعلي من أجل خدمة الصالح العام، تأسس الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1946م. وعندما أراد حشاد تأسيس هذه المنظمة، ولكي تكتسب هذه المنظمة طابع الاتحاد والتعاون والانتشار، نادى مجموعة من الشيوخ الزيتونيين لحضور التأسيس، ومن أبرزهم العالم محمد الفاضل بن عاشور الذي أسندت إليه الرئاسة الشرفية للاتحاد.
تأسيس الإتحاد العام التونسي للشغل
في بداية الأربعينيات، قاد حشاد حركة المقاومة الشعبية التونسية ضد الاستعمار الفرنسي، وقام بتحركات عديدة على المستويين الوطني والدولي أسفرت عن تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل، والذي تم الإعلان عنه يوم 20 جانفي/ كانون الثاني 1946.
انتخب حشاد أول سكرتير للاتحاد العام التونسي للشغل وهو يبلغ من العمر 30 سنة فقط. ورغبة منه في أن تحظى المنظمة بأوسع نسبة انتشار وتكتسي طابع الاتحاد والتعاون، دعا عددًا من الشيوخ الزيتونيين لحضور التأسيس، ومن بينهم الشيخ محمد الفاضل بن عاشور الذي أسندت إليه الرئاسة الشرفية للاتحاد.
وبات لفرحات حشاد إثر ذلك شعبية عارمة في صفوف التونسيين وبشكل خاص العملة منهم. وكان لاتحاد الشغل بقيادة حشاد دور هام في توجيه تحركات الشعب التونسي والمطالب الشعبية، وبدأت وتيرة المظاهرات والاحتجاجات ترتفع مطالبة بالتحرير وتحسين مستوى الحياة والعمل للتونسيين.
الأدوار التي لعبها الإتحاد العام التونسي للشغل تحت قيادة فرحات حشاد:
بقيادة حشاد، قام الاتحاد العام لعمال تونس بدور هام في بدء وتوجيه الحركة الراديكالية للمطالب الشعبية في تونس. وقد بدأ الاتحاد التونسي في حضور المؤتمرات الدولية لاتحادات العمال الحرة منذ عام 1949، وبلغ عدد أعضائه في عام 1951 ما يقرب من 120 ألف عضو من مختلف أنحاء ومستويات العمل في تونس.
وبدأ الاتحاد العام لعمال تونس بتنظيم عمليات مقاومة للاحتلال الفرنسي، إضافة إلى تشجيع تكوين اتحادات عمالية في شمال أفريقيا. وأصبحت هذه الاتحادات لها أولوية في اهتمامات الاتحاد العام لعمال تونس، حيث بدأ في تشجيع الاتحادات في المغرب والجزائر، وعد لتكوين اتحاد مستقل في ليبيا لوضع أسس اتحاد عمالي موحد.
وبعد أن تحقق الجانب الاجتماعي والاقتصادي للاتحاد العام لعمال تونس، بدأ العمل على ما بعد التحرير، وتركز الاتحاد على بناء اقتصاد ومجتمع جديد يعتمد على العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة.
بالإضافة إلى ذلك، تعاون الاتحاد العام لعمال تونس مع منظمات عمالية دولية أخرى لتعزيز العمل العالمي، وشارك في العديد من المؤتمرات الدولية والمناسبات العمالية الأخرى.
إغتيال فرحات حشاد:
في صباح يوم 5 ديسمبر عام 1952 م، تم تنفيذ خطة للقضاء على فرحات حشاد، الزعيم النقابي والوطني التونسي. تبعته سيارة في الطريق من الضاحية التي كان يقطنها خارج العاصمة تونس وأطلقوا عليه النار. تمكّن حشاد من الخروج من السيارة بعد إصابته فقط في ذراعه وكتفه، وفرّت السيارة هاربة. ولكن لم يتوقف الأمر هنا، فظهرت سيارة أخرى وأطلقت النار على رأسه، ثم ألقوا جثته على جانب الطريق بعد التأكّد من موته.
وعندما أُعلن نبأ اغتياله على الراديو في الظهيرة، اجتاحت المظاهرات مدن العالم من الدار البيضاء إلى القاهرة ودمشق وبيروت وكراتشي وجاكارتا، وامتدّت أيضاً إلى مدن أوروبية مثل ميلانو وبروكسل وستوكهولم. في الدار البيضاء، تحوّلت المظاهرات إلى أعمال عنف راح ضحيتها ما يقرب من أربعين شخصاً.
وفي نهاية العام 2009، بثت قناة الجزيرة الوثائقية فيلم وثائقي يروي قصة أحد مدبري هذه الجريمة، الفرنسي أنطوان ميليرو، الذي صرح في الفيلم بتفاصيل إعداد وتنفيذ هذه العملية الإجرامية.
ويعتبر هذا الاعتراف، بحسب حقوقيين ومحامين، تصريحا بارتكاب جريمة حرب وتباهيا بها. ولقد قام الاتحاد العام التونسي للشغل وعائلة الضحية ومنظمات فرنسية في مارس 2010 بتقديم شكاوى لدى القضاء الفرنسي ضد ميليرو، استنادا إلى وثيقة اعترافه التي تم بثها في الفيلم. ومع ذلك، فقد صدر بعد ذلك حكم قضائي يرفض جميع هذه الشكاوى.
وفي يوليو 2013، خلال زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى تونس، تم تسليم وثائق أرشيفية من وزارة الخارجية والدفاع الفرنسيتين، تؤكد أن عملية الاغتيال تمت بواسطة مصلحة التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس التابعة للاستخبارات الفرنسية. ويشير هذا الوثائق إلى أن هناك فريق عمليات أرسل من باريس لمراقبة تحركات فرحات حشاد، وأن عملية الاغتيال قد تقررت قبل سبعة أشهر.
وفي أفريل 2013، تم تدشين ساحة باسم فرحات حشاد في الدائرة 13 بباريس، تكريما لهذا الزعيم التونسي الراحل وتذكيرا بمساهمته في نضالات الشعوب العربية والإفريقية.