التاريخ 6 ابتدائيالثالثة ثانوي

إنتصاب الحماية الفرنسية بتونس وردود الفعل الأولى

المقدمة :

إنتصاب الحماية الفرنسية بتونس وردود الفعل الأولى,استغلت فرنسا أزمة البلاد التونسية ومساندة بعض القوى الأوروبية الكبرى لمخططها باحتلال البلاد وفرض معاهدة حماية عليها سنة 1881 سرعان ما تطورت إلى حكم مباشر رغم ما أبداه التونسيون من مقاومة.

I – فرنسا تخطط لاحتلال تونس :

إحتد في الربع الأخير من القرن التاسع عشر التنافس الاستعماري بين القوى الأوروبية التي مرت بداية من 1873 بمرحلة ركود اقتصادي وقد كانت تونس بحكم وضعيتها إحدى ساحات هذا التنافس الذي انحصر بداية من 1878 بين فرنسا وايطاليا.

1-أنقلترا وألمانيا تدعمان احتلال فرنسا لتونس

مثلت المسألة التونسية إحدى المسائل التي تعرض إليها الوزراء الأوروبيون في مباحثاتهم على هامش انعقاد مؤتمر برلين بين جوان وجويلية 1878. حيث اقترح كل من وزير خارجية انجلترا «سالسبوري» ومستشار ألمانيا «بيسمارك» على فرنسا احتلال تونس.

فبالنسبة لانقلترا فقد أيدت فرنسا وعارضت مساعي إيطاليا ويعود هذا الموقف إلى :
– خوفها من الاطماع الايطالية في تونس فاحتلال ايطاليا لتونس من شأنه أن يمكنها من مراقبة ضفتي مضيق
صقلية الذي يفصل بين حوضي البحر المتوسط مما يهدد المصالح التجارية الانجليزية (أصبح طريق الهند يمر بالبحر
المتوسط منذ أن فتحت قناة السويس أمام الملاحة سنة 1869).
– سعيها إلى كسب موافقة فرنسا على احتلال انقلترا لجزيرة قبرص سنة 1878، ولأطماعها في الهيمنة على مصر
أما في خصوص ألمانيا فإن مستشارها دعم احتلال فرنسا لتونس  وقد كان يهدف من وراء ذلك إلى :
– صرف أنظار فرنسا عن السعي إلى استعادة الألزاس واللوران الذين استولت عليهما ألمانيا سنة 1870.
– عزل فرنسا على الساحة الأوروبية من خلال تعكير علاقاتها بايطاليا
– إشغال فرنسا بمغامرة استعمارية تنهك قواها،
وبهذا الدعم يمكن القول أن فرنسا قطعت مرحلة هامة نحو السيطرة على تونس وانحصر التنافس بينها وبين
ايطاليا التي كانت تعتبر نفسها أحق بالاستيلاء على تونس لاعتبارات جغرافية وتاريخية وسكانية … .

 2- فرنسا تدعم نفوذها الاقتصادي بتونس

سعت الحكومة الفرنسية إلى دعم حضور شركاتها ورؤوس أموالها بتونس في منافسة المؤسسات الايطالية المدعمة من حكومة بلادها فتمكنت شركة باتينيول الفرنسية سنة 1880 من الحصول على امتياز مد كل السكك الحديدية بتونس وحفر ميناء مدينة تونس وتمكنت شركة مرسيليا للقرض بتشجيع من قنصل فرنسا بتونس تيودور روسطان من شراء هنشير سيدي ثابت الذي يمسح 5000 هك وهنشير النفضية (يزيد عن 1000.000 هك).

وقد كانت كل هذه الشركات مرتبطة بتجمعات مالية بفرنسا ذات نفوذ كبير على مراكز القرار السياسي لذلك ضغطت على الحكومة الفرنسية حتى تحتل تونس فتحفظ بذلك امتيازاتها وتتخلص من التهديد الإيطالي وتبسط هيمنتهـا على أغلب شمال افريقيا في إطار هدفها الاستراتيجي المتمثل في السيطرة على الضفة الجنوبية للحوض الغربي للبحر المتوسط فتتقاسم بذلك السيطرة على البحر المتوسط مع انفلترا خصوصا بعد أن أصبح هذا البحر الطريق الرئيسي للتجارة الأوروبية مع آسيا منذ فتح قناة السويس أمام الملاحة الدولية، كما ان استيلاءها على تونس يؤمن الحماية لمستعمرتها الجزائرية من أي تهديد يمكن أن يشكله تواجد قوة أخرى بتونس. 

3-الحكومة الفرنسية تضع خطة لاحتلال تونس 1881

في مثل هذه الظروف قررت الحكومة الفرنسية برئاسة “جول فيري” وهو من أنصار التوسّع الاستعماري، احتلال تونس وفرض معاهدة حماية على الباي. ولتنفيذ هذه الخطة تذرعت فرنسا لتبرير تدخل جيوشها بمناوشات بين قبيلتي خمير وبعض القبائل الجزائرية على الحدود بين البلدين  فنظمت حملة عسكرية انطلقت يوم 24 أفريل 1881 برا بقيادة “الجنرال لوجيرو” وبحرا (انطلاقا من ميناء طولون الفرنسي) بقيادة “الجنرال بريار”.

“جول فيري”

II- فرنسا تحتل تونس :

تمكنت القوات الفرنسية من احتلال تونس على مراحل وبسط هيمنتها الاستعمارية عليها بداية من ماي 1881.

1- احتلال شمال البلاد وفرض معاهدة الحماية في 12 ماي 1881

دخل الجيش الفرنسي التراب التونسي يوم 24 أفريل 1881 انطلاقا من أقصى الشمال الغربي واتجه نحو العاصمة متبعا خط مجردة دون أن يواجه أدنى مقاومة من جيش الباي. وتدعم هذا الهجوم البري بحملة بحرية نزلت بميناء بنزرت يوم 3 ماي 1881 بقيادة الجنرال بريار الذي زحف بقواته نحو تونس العاصمة ودخلت باردو يوم 12 ماي 1881 وفقا للخطة المرسومة ليجبر محمد الصادق باي على توقيع معاهدة الحماية (تعرف بمعاهدة باردو) التي أصبحت مقتضاها تونس «محمية» فرنسية وقد تضمنت أساسا :
– تجريد الدولة التونسية من مظاهر السيادة الخارجية التي أصبحت من صلاحيات فرنسا.
– إشراف فرنسا على الشؤون المالية
– اعتبار الحضور العسكري الفرنسي بتونس مؤقتا
-طمأنة القوى الأوروبية على مصالحها بتونس  لتتجنب معاداتها لمعاهدة الحماية
وبذلك تكون فرنسا قد نجحت في تحقيق خطتها القاضية بفرض «الحماية» على البلاد، وقد فضلت هذا الشكل الاستعماري عن بقية أشكال الضم مراعاة منها للظروف السياسية الداخلية إذ كان الرأي العام الفرنسي يعارض كل مغامرة استعمارية من شأنها أن تؤجل استعادة الالزاس واللوران، وأيضا مراعاة للظروف العالمية إذ كانت الحكومة الفرنسية تعمل على تفادي عزلها أوروبيا بالاضافة إلى تجنب نقائص تجاربها الاستعمارية السابقة وارتفاع تكلفتها كما أنها تجنبها إنتفاضات التونسيين .

2- استكمال احتلال البلاد : جويلية 1881 إلى 1882

بعد أن سيطرت بسهولة على مناطق الشمال وضمان توقيع الباي على معاهدة الحماية، خفضت السلطات الفرنسية من عدد قواتها غير أن بروز مقاومة شديدة في الوسط دفعها إلى تعزيز حضورها العسكري من جديد فتمكنت من :
– احتلال مدينة صفاقس يوم 16 جويلية 1881 

– احتلال مدينة قابس يوم 26 جويلية 1881 واخضاع واحتها في نوفمبر من نفس السنة.
– احتلال القيروان في 26 أكتوبر 1881 بعد احتلال جهة الساحل.
وإجمالا أتم الجيش الفرنسي احتلال البلاد التونسية في مطلع 1882.

3- اتفاقية المرسى 8 جوان 1863 : من الحماية إلى الحكم المباشر

بعد إستتباب الوضع لفائدة فرنسا إثر استكمالها احتلال البلاد وتلاشي المقاومة، فرضت هذه الاتفاقية على علي باي الذي تولى حكم الايالة بعد وفاة أخيه محمد الصادق باي في أكتوبر 1882، كانت تتويجا لمساعي المقيم العام الجديد بول كامبون (تولى مهامه في أفريل 1882) الذي تحصل من علي باي منذ أن كان وليا للعهد على التزام بتنفيذ الاتفاقيات السابقة ووضع نفسه تحت تصرف الحكومة الفرنسية.
وقد خولت هذه الاتفاقيهة لفرنسا :
-إجراء الإصلاحات الادارية والمالية والقضائية التي تراها فرنسا ضرورية .
– حل مسألة الديون التونسية بما سمح لفرنسا عام 1884 بحل اللجنة المالية الدولية والانفراد بالهيمنة
المالية على تونس.
وهكذا فإن اتفاقية المرسى مكنت فرنسا من بسط نفوذها الفعلي على البلاد وسلبت الباي سلطته الداخلية بعدما جردته معاهدة باردو من سلطاته الخارجية وجعلت تونس خاضعة إلى حكم فرنسي مباشر حتى وإن أبقت على سلطة الباي الصورية.
وإجمالا فقد حولت تونس من «محمية» إلى مستعمرة. وقد استغلت فرنسا في ذلك نجاحها في إخماد المقاومة. 

llI – ردود الفعل الأولى : المقاومة المسلحة :

لم يمنع إستسلام الباي من أن يهب السكان رغم محدودية امكانياتهم لمقاومة الغزاة.

1- مقاومة قبائل الشمال

قاومت قبائل الشمال  (خمير، عمدون، وشتاتة، ماكنة …) بامكانياتها المتواضعة الحملة الفرنسية منذ 24 أفريل 1881 وخاضت ضد الفرنسيين معارك كثيرة أهمها معركة بن بشير . كما دافعت عن مدينتي ماطر وباجة وأجبرت بعد بسط الهيمنة الفرنسية على دفع غرامات.

مقاومة قبائل الشمال

2-المقاومة في الوسط والجنوب : أكثر تنظيما

مثلت كذلك القبائل العمود الفقري للمقاومة (نفات، جلاص، الفراشيش، الهمامة …) التي حاولت تنظيم صفوفها والتنسيق بينها عن طريق شيوخها الذين ألفوا ما يشبه «مجلس قيادة المقاومة» من خلال عقد ما سمي بالميعاد
(مثل ميعاد القيروان) وقد برز علي بن خليفة قايد نفات كقائد للمقاومة التي شارك فيها أيضا بعض الجنود القارين
من جيش الباي وبعض الضباط الصغار. وقد دافع المقاومون ببسالة عن مدينة صفاقس التي لم تنجح فرنسا في
اخضاعها إلا يوم 16 جويلية 1881  بعد قصف الأسطول الفرنسي لها طيلة 3 أيام مما خلف 600 قتيل في صفوف المقاومين. كما نجح المقاومون في عرقلة الاحتلال الفرنسي لقابس لبعض الأيام أما في جهة الساحل فقد أطر المقاومة جنود وضباط صغار من أصيلي قرى المنطقة، ورغم هزيمتهم فقد كبد المقاومون قوات الاحتلال هزائم في عديد المعارك .
وبعد تراجع المقاومة في الساحل احتلت القوات الفرنسية القيروان في 28 أكتوبر 1881.

مقاومة في صفاقس

3- المقاومون يختارون الهجرة إلى ايالة طرابلس :

أمام تراجع المقاومة في الشمال والوسط  عقد المقاومون في أكتوبر 1881 ميعاد الحامة وقرروا خلاله الهجرة بعائلاتهم إلى إيالة طرابلس التي لازالت تحت حكم العثمانيين  على أمل أن يعودوا محررين للبلاد.بمساعدة الجيش العثماني. غير أن غياب ذلك الدعم وتردي ظروفهم في البوادي الليبية القاحلة وتشديد القوات الفرنسية لمراقبتها للحدود قد دفع بأغلب هؤلاء إلى الرجوع للبلاد منذ بداية 1883. وبذلك تلاشت المقاومة.
وإجمالا فإن الشعب التونسي رغم محدودية امكانياته، قد هب للدفاع عن بلاده وبالخصوص القبائل والشرائح الشعبية من سكان القرى والمدن بعد أن استسلم الباي ورغم أن المقاومة لم تحل دون الاحتلال فإنها مهدت لتشكل الوعي الوطني وبروز أشكال أخرى للمقاومة لاحقا.

شيخ المقاومين علي بن خليفة النفاتي

الخاتمة :

نجحت فرنسا سنة 1881 في تنفيذ مخططها باحتلال البلاد التونسية لكنها واجهت مقاومة عنيفة، وبالرغم من أنها تمكنت بحكم تفاوت ميزان القوى من إخمادها فإنها لم تقض على الشعور الوطني وستأخذ المقاومة أشكالا جديدة ثقافية جسّدتها بعض الجمعيات مثل الخلدونية وجمعية قدماء الصادقية وأخرى سياسية عبرت عنها في البداية حركة الشباب التونسي التي ظهرت سنة 1907. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى