مقال أدبي محور الشعر الجاهلي- الثانية آداب
مقال أدبي حول الشعر الجاهلي 2 ثانوي
السنة الثانية آداب مقال أدبي محور الشعر الجاهلي. مقال منجز للسنة ثانية اداب.
الموضوع :
إن «الفوضى» و«التفكك» الظاهريـن في بناء القصيـدة الجاهليـة يحجبان نظاما وتماسكا. وهي في مضمونها صورة لهـواجس الأنـا وقيم المجموعة.
حلل هذا الرأي بالاعتماد على ما يناسب من الشواهد الشعرية.
1- التفكيك والفهم
أ) المعطى
بني المعطى على فكرتين أساسيتين تبدوان متقابلتين، تتعلق إحداهما بالشكل الفني للقصيدة الجاهلية والأخرى بمضامينها.
أ. الشكل الفني له. ← ظاهر : فوضى + تفكك.
ه باطن : نظام + تماسك.
ب. المضمون له . ے بعد ذاتي : هواجس الأنا ومشاغلها (أنا الشاعر).
بعد موضوعي : قيم المجموعة (المجتمع الجاهلي).
ب) المطلوب
← تحليل الرأي المعروض (أطروحة مدعومة نتبناها ونبرهن على صحتها دون مجادلتها
أي دون بيان خطئها أو نسبية صحتها).
الاستدلال على كل ذلك بشواهد من الشعر الجاهلي دون التقيد بشاعر محدد.
البناء وتجسيم التخطيط
المقـدمة :
التمهيد : الإشارة إلى أن تعدد أقسام القصيدة الجاهلية وتنوع موضوعاتها قد دفع بالكثير من الدارسين إلى اعتبارها قصيدة مفككة لا نظام فيها ولا بناء.
طرح الموضوع : التنبيه إلى أن أصحاب هذا الموقف قد حكموا عليها، أي على القصيدة الجاهلية، حكما سطحيا ظاهريا، غفل عن النظام الداخلي الذي يحتكمها ويحقق لها وحدتها وتماسكها، كما يجعلها صدى لهواجس مبدعها فضلا عما تكشفه من قيم المجتمع الذي نشأت فيه.
طرح الإشكالية : يكون بصياغة عناصر الموضوع في قالب أسئلة دقيقة ومتدرجة.
أين يتجلى النظام والتماسك الكامنان وراء «الفوضى» و«التفكك» الظاهرين في القصيدة
الجاهلية ؟ مقال أدبي محور الشعر الجاهلي
وكيف عبرت هذه القصيدة عن هواجس الأنا وقيم المجموعة ؟
الجوهـر :
← نتدرج في تناول عناصر الموضوع وفق الترتيب الذي وردت عليه في المعطى ثم في التخلص.
الظاهرين في القصيدة الجاهلية التزاما نستهل الجوهر ببيان مظاهر «التفكك»
بما ورد في المعطى دون التوسع في ذلك حتى لا يكون على حساب «الأطروحة» التي نسعى و «الفوضی»
إلى البرهنة على صحتها (النظام والتماسك).
نخلص من هذا العنصر إلى أن «التفكك» و«الفوضى» مظهران يحجبان حقيقة خفيه هي
النظام والتماسك.
1. الفوضى والتفكك «الظاهران»
يتجلى ذلك في مستويين :
← * تنوع مواضيع القصيدة الجاهلية : وقفة طللية / نسيب / وصف رحلة وراحلة / مدح أو فخر…
وقد ينضاف إلى هذه الأقسام أو يحل محل قسم منها أبيات في الحكمة أو في التأمل أو في الخمرة.
فكأننا إزاء مجموعة من القصائد التي لا ينتظمها أي منطق أو رابط سوى الوزن والقافية.
* الانتقال من عنصر إلى آخر يكون في الغالب فجائيا دون تمهيد أو تخلص.
القصيدة الجاهلية إسنادا إلى ذلك جملة من المقاطع الشعرية المفككة التي لا يحكمها سوى منطق «الفوضى» والعفوية.
النظام والتماسك «الخفيان»
للقصيدة الجاهلية رغم خصوصية التجربة فيها بنية تكاد تكون نموذجية إذا يستهلها الشاعر بالوقفة الطللية والنسيب قبل أن يمر إلى وصف الرحلة والراحلة وما يتبعها ثم يتخلص إلى الغرض الرئيسي مدحا أو فخرا…
– قيام القصيدة على هذه البنية يدفعنا إلى التساؤل عن الدوافع الكامنة وراءها : هل هي مجرد سنة شعرية درج عليها الشعراء الجاهليون ؟ وإذا كان الأمر كذلك فبم نفسر الاختلافات الجزئية بين المعلقات ؟ أم أن هذا البناء استجابة لضرورة نفسية، وصدى لشرط تاريخي عبرت عنه القصيدة الجاهلية بفوضاها الظاهرة قبل أن تعبر عنه بتماسكها الخفي ؟
– يستهل الشاعر الجاهلي قصيدته بالوقفة الطللية التي تمثل في بعدها الخفي انعكاسا لعلاقته بالمكان، إنها من هذا المنظور مفتاح باب جوه النفسي المكتوم أي أنها نابعة من صميم البيئة الصحراوية. يقف الشاعر أمام ديار الحبيبة وقد تحولت إلى رسم دارس وتحولت ذكراها إلى «وشم» في الذاكرة. فيبكي ويستبكي. يقول امرئ القيس :
قفا نـبـكـي مـن ذكرى حبيب ومـنزل ..
بـسـقـط اللـوى بين الدخول فحومل
ويقول طرفة بن العبد :
وقـوفـا بـهـا صـحـبي علي مطيهم .. يقولون لا تـهلـك أسى وتـجـلـد
ويصل به الأمر حد مساءلة الطلل واستنطاقه. يقول النابغة الذبياني :
اسـتـعـجـمت دار نـعـم مـا تكلمنا .. والـدار لـو تـكـلمـنـا ذات أخـبـار
– لا تتفصل الوقفة الطللية عن قسم آخر هو النسيب أو التشبيب ويعود ذلك إلى العلاقة الوجدانية التي تنشأ بين الشاعر والمكان لحظة الوقوف أمام «الطلل الدارس». فحس «الرعب» الساكن فيه، والذي يتملكه ويكشف أمامه حقيقة الموت وهشاشة الحياة وقد أضحت أشبه «ببقية وشم» يتحول إلى قادح لاسترجاع ذكرى الحبيبة كشكل من أشكال التعويض ووسيلة للإفلات من سطوة الزمن عن طريق تثبيت لحظة السعادة الهاربة. أو لعلها انعطافة أو التفاتة من «الميت»/«الطلل» نحو «الحي» /الحبيبة استعدادا للرحيل.
الجمع بين وصف الطلل ووصف المرأة نوع من المقابلة بين معاني الفناء ومعاني البقاء، بین حس «الافتراس» والتوق إلى التغلب على هشاشة الحياة.
← الطلل قبر + الحبيبة حياة ← والرحيل تحول نفسي من حس الانكسار إلى الرغبة في الانتصار، ومن خواء الفقد إلى امتلاء الفعل المتحدي لجحود الصحراء بالمغامرة، والمغامرة رحلة، والرحلة راحلة، بها ومعها يسعى الجاهلي إلى «ملء شقوق عالمه بالبطولة»، البطولة التي «تطهر الحياة وتعيد لها زهوها وامتلاءها» على حد تعبير بعض الدارسين. ولذلك نراه، حتى في وصفه للراحلة، لا يقدمها على أنها وسيلة أو مطية، وإنما على أنها رفيق مصاحب و«أنيس» في مواجهة وحشة الصحراء القاتلة.
– يصبح الغرض الرئيسي في سياق هذا التدرج ممارسة لفعل الحياة بعد ملء الجاهلي لشقوق عالمه بالبطولة. واستعاده لتوازن مفقود كان الطلل وما يوحي به، سببا فيه.
الاستنتاج : تمهيد للعنصر الثاني (يمكن أن يتوج بسؤال يمهد له)
ما يبدو تأكيدا للفوضى والتفكك يحجب انسجاما وانتظاما تحركه دوافع نفسية ووجدانية لها علاقة بالتكوين الاجتماعي لذات الشاعر الجاهلي.
القصيدة الجاهلية وحدة متكاملة رغم «تفككها» و«فوضاها» الظاهرين، وهي فضلا عن ذلك، صدى لهواجس الشاعر المبدع وصورة لقيم مجتمعه.
السؤال الممكن بعد الاستنتاج : فكيف عبرت هذه القصيدة عن هواجس الشاعر الجاهلي وعن قيم
مجتمعه ؟
أ. القصيدة الجاهلية تعبير عن هواجس الأنا/الشاعر
– مطلع القصيدة تصوير لما في نفس الشاعر من نوازع ومواجد وانعكاس لوعي فاجع.
– الوقفة الطللية انعكاس لعلاقة الشاعر بالمكان ولذلك نراه يشكله كما يريد، أي في صورة تستجيب لما هو مكتوم في داخله من مشاعر وأحاسيس.
الوقفة الطللية صرخة أمام حقيقة الحياة والموت وهشاشة المنزلة الإنسانية.
– حس الافتراس والتوق إلى التغلب على هشاشة الحياة يجعل الشاعر الجاهلي يبكي الحبيبة في المطلع :
كأني غـداة الـبـيـن يـوم تـحملوا : لـدى سـمـرات الـحـي ناقف حنظل
ثم يستحضر لحظات الصفاء معها وكـأنه يستلهم منها قوة ، يقول طرفة بن العبد:
وتبسم عـن ألـمـى كـأن مـنـورا . تـخلـل خـر الـرمل دعـص له ند
ثم يوغل في الصحراء مغامرا ومجازفا ومتحديا وحشتها وجبروتها، قاطعا المفاوز والطرق
الوعرة بلا وجل.
– النزوع نحو المبالغة في التصوير والتعبير نوع من التعالي في مواجهة الإحساس بالانسحاق أمام حقيقة الموت والفناء وأمام بطش الصحراء.
للاستهلال (الوقفة الطللية/النسيب/الرحلة) في القصيدة الجاهلية علاقة وثيقة بذات الشاعر، إنه مرصد نطل منه على جغرافيته الروحية وأبعادها.
ب. القصيدة الجاهلية صورة لقيم المجموعة
– إن نعت الشعر الجاهلي بـ«ديوان العرب» راجع إلى كونه قد مثل صورة للبيئة التي نشأ فيها أصحابه في كثير من جوانبها الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والمعرفية، والدينية، كما عكس في الآن ذاته مثلهم الأخلاقية من شجاعة وفروسية وفتوة، ومن إكرام للضيف وإغاثة وحلم وغيرها.
مختلف أغراض الشعر الجاهلي نهلت من معين واحد هو معين القيم فأسندتها إلى الآخر مدحا ورثاء أو إلى الأنا فخرا وجردتها من الغائب «هو» أو المخاطب «أنت» في الهجاء.
– جملة هذه المعاني تؤسس لمفهوم الفتوة باعتباره قيمة جامعة لكل القيم التي يتسلح بها الجاهلي في مواجهة صعوبات العيش وفي تنظيم حياة المجموعة.
– تنتظم جملة الخلال أو الخصال ضمن قيمتين كبريين هما :
* فتوة السلم (الكرم والإغاثة والإجارة…) :
يقول زهير بن أبي سلمى في مدح هرم بن سنان والإشادة بكرمه :
ألـيـس بـفـيـاض يـداه غـمامـة : ثـمـال اليتامى فـي الـسنين محمد
* فتوة الحرب (الإباء والشجاعة والبطولة والفروسية…)
تقول الخنساء في رثاء أخيها صخر وبيان إبائه وشجاعته :
حامي الـعـريـن لدى الهيجاء مضطلع .:. يـفـري الـرجال بأنياب
ويقول عنترة معتدا بفروسيته :
لما رأيـت الـقوم أقـبـل جـمـعـهـم .. يـتـذامرون کـررت غـيـر مـنمـم
كان الشاعر الجاهلي يقول ما يعرفه الذين يصغون إليه، لأنه يقول عاداتهم وتقاليدهم ومآثرهم وحروبهم وانتصاراتهم وهزائمهم…
– جملة القيم التي أشاد بها الشاعر الجاهلي لها صلة وثيقة بواقع حياة العرب، في الحرب وفي السلم على حد سواء وكأنه موكول بصياغة معايير المجتمع الأخلاقية ومراقبتها.
خاتمة الجوهر : استنتاج يؤلف بين عناصر التحليل ويسبق الخاتمة
للقصيدة الجاهلية بعدان: بعد ذاتي خاص ينصرف فيه الشاعر إلى نفسه فيصور ما فيها من نوازع تترجمها الوقفة الطللية من جهة والرحلة وما يتبعها من مغامرة ومتعة من جهة ثانية،
وبعد موضوعي عام يخرج فيه من الذات /المفرد إلى الجمع، ومن عالم الذات إلى واقع الحياة، يترجمه الغرض الرئيسي في الغالب، وإن لم يخل هو كذلك من بعد ذاتي تجسد في طريقة التعبير عن جملة القيم التي تغنى بها.
الخاتمة
– التنبيه إلى أن الوقوف على مقاصد القصيدة الجاهلية ودلالتها لا يتسنى إلا بالنظر في العلاقة بينها وبين الظروف التي حفت بها، وكل قراءة من خارج هذا الشرط تتوه عن المقصد وتسقط في فخ التجني إلى الفوضى والتشويش أو العفوية.
فتح أفق : إذا كان بناء القصيدة الجاهلية ومضمونها قد قدما البرهان على التفاعل الخصب، بين الشعر كشكل من أشكال العرب المسلمين مع واقعي .. فكيف سيكون تفاعل الجيل اللاحق من الشعراء ؟