موضوع فلسفة حول الإنية والغيرية – بكالوريا آداب
موضوع فلسفة حول الإنية والغيرية بكالوريا آداب من انجاز الاستاذ الهادي عبد الحفيظ .
الموضوع
اني بأسري جسد ولا شيء سوى جسد، وما الروح الاكلمة تشير إلى جزء من هذا الجسد”.
حلل هذا القول مبينا منزلة الجسد من تعين الانية في الانسان؟
الانجاز
فهم الموضوع:
ان الجسد هو محدد انية الانسان وان الروح جزء مكون لهذه الذات المتجسدة مع استبعاد التصورات التقليدية المحقرة له.
يمكن أن تمهد للموضوع بالإشارة الى: . قيمة الجسد واهميته في وجود الانسان ما به نؤسس وعينا بذاتنا وبالعالم على الرغم من كل خطابات التحقير والاستبعاد التي حاولت ربطه بالنفس و اعتباره مجرد شيء تابع لها. . او قيمة المراجعات الفلسفية والعلمية الحديثة التي ردت الاعتبار للجسد امام كل الخطابات الأخلاقوية الداعية إلى التنفير منه واستبعاده ورده الى مجرد آلة تحركه النفس . أو اكتشاف جهل الانسان بالجسد أمام فشل في تفسير ظواهره وانفعالاته ما دعا إلى ضرورة اعادة فهمنا له امام محاولات تحقيره واستبعاده
طرح الاشكالية:
ما الذي يعنيه الجسد بالنسبة للذات هل هو مجرد شيء لا قيمة له الا بما هو تابع للروح تحركه وتفعل فيه ام هو محدد الانية وحقيقتها ؟ وما هي التبعات الايتيقية والفلسفية التي تترتب عن اعتبار الجسد حقيقة انيتنا؟ اليس الانسان كاننا موحدا يعلو عن كل تقسيم؟
عناصر التحليل
1 تحليل الموقف الذي يعرضه الأقرار والذي يرى الجسد جوهر الآنية، وذلك ب تحديد دلالة الجسد بما هو ليس مجرد كتلة لحم وشحم وعظم الجسد الموضوعي) بل بما هو كتلة الانفعالات والمشاعر والمجال الخصب للوعي بالذات وتمثلها لذاتها وللعالم بما هو تمظهر و تجلي للوعي الإنساني ( الجسد الخاص میرلوبونتي)، او بما رغبة في حفظ الذات (كوناتوس – سبينوزا) او بما ارادة قوة (نيتشة) أو بما موطن الغرائز اللاواعية (فرويد) . تحديد دلالة الروح الواردة في الاقرار بما انها تشير الى جزء من الجسد، اي بما هو “وعي متجسد (ميرلوبونتي) او ارادة فعل يصرفها الجسد (نيتشة) او “الأنا” مظهر جزئي محدود من مظاهر كلية الحياة النفسية أو حالة من حالات النفس غيابها اكثر بكثير من حضورها (فرويد) مع استبعاد التصور التقليدي الميتافيزيقي الذي يراها شيئا شفافا نورانيا سماويا تحشر في الجسد عند الولادة لتبقى سجينة فيه حتى تتحرر بالموت
الاشتغال على مطلوب الاقرار بكون الجسد هو حقيقة الانية وذلك باستبعاد التصور التقليدي للجسد بما هو عرض للروح يتم تحقيره واستبعاده على انه مجرد سجن او قبر او عائق للنفس وعلى انه موطن الشر والرذيلة مثلما علمتنا الافلاطونية . بل واستبعاد حتى التصور الميكانيكي الديكارتي الذي اعتبره مجرد “آلة اوتوماتيكية” automate machine يتحرك من تلقاء نفسه لكونه يحوّل الجسد الى مجرد جوهر مادي (جوهر) ممتد ينشطر معه الانسان الى شطرين اثنين (الثنائية الديكارتية)، وترد فيه افعالنا كلها الى “الانا افكر” المتعالي (مبدأ الأنانة) ما يحول الجسد الى مجرد شيء ثانوي في الانسان. ) يمكن هنا اعتماد تلك الاحراجات التي وجهها سبينوزا الى ديكارت وكل الفلاسفة قبله حين قال: لا احد الى الان – والحق يقال قد بين ما يستطيع الجسد فعله متوسلا جملة من الامثلة من التجارب اليومية التي لا احد ينكرها كحالة المجنون والنائم الماشي والطفل الصغير ..الخ).
مايدعونا إلى مراجعة مقولة الجسد على ضوء التصورات العلمية و الفينومينولوجية الحديثة التي تنتهي الى تصور جديد للجسد يسميه ميرلوبونتي “الجسد الخاص” ليميزه عن الجسد الموضوعي .. فيكون الجسد الخاص هو قوام وجودنا واداة ادراكنا للعالم ( يمكن اعتماد الامثلة التي اوردها ميرلوبونتي نفسه في بعض نصوصه عن المصاب بالعمى او بجلطة دماغية لنثبت ان الجسد هو ما من خلاله ندرك العالم ونستمر في وجودنا فيه ( = الجسد هو الانا او الذات المتجسدة او ما انتهى اليه فرويد في تصوره للاوعي كمنظمة تحت الانا تدفعه وتشغله فتكون جميع رغباتنا الغريزية الجسمانية (ايروس و تناتوس) المولدة للطاقة النفسية التي يتغذى منها الوعي (الانا). ذلك ان الدافع الجنسي… يوفر للعمل الثقافي كمية هائلة من القوى ” كما يقول فرويد بما يجعل من هذه الدوافع هي حقيقة الذات وجوهرها فالانا لم يعد سيدا حتى في بيته” (فرويد). او ما دعانا اليه نيتشة على لسان زرادشت حين هاجم محتقري الجسد وكشف لهم زيف العقل وان الحقيقة يدركها الجسد وحده بالفعل لا بالقول. معتبرا الجسد هو ذاته العقل العظيم ان” وراء افكارك ومشاعرك يا اخي يقوم سيد جبار وحكيم مجهول هو الهو الذي يسكن جسدك بل هو جسدك” “هذا الجسد لا يقول انا بل يكون انا من خلال الفعل . فتتجلى الذات المتجسدة في ارادة الفعل او ارادة القوة” التي تحول من يؤمن بها الى انسان أرقى، يسميه نيتشه السوبرمان.
2 المكاسب:
التنويه بالمواقف الممجدة للجسد من حيث انها
- انهت هيمنة الخطاب التقليدي الميتافيزيقي الذي ظل ينظر للإنسان كما لو كان كائنا من السماء، أو مركزا للموجودات جميعا الانسان مقياس كل الاشياء ” بروتاغوراس).
- فتحت المجال لخطابات أخرى غير فلسفية علمية وأنثروبولوجية وتاريخية تكشف للجسد ابعاد اخرى ووظائف لم يكن يدركها الخطاب الفلسفي. اعطت للجسد مجالات ارحب للدلالة اذ حررته من سلطة النفس او العقل الذي
كان يختزله في كونه سجن او قبر او مجرد آلة تحركها النفس.
الحدود
التظئن على الاقرار ببيان ان اختزال حقيقة الانية في الجسد بمختلف تحديداته وعلى الرغم من الجدة والطرافة التي تميزت بها التصورات الحديثة للإنسان التي مجدت الجسد وردت له اعتباره الا انها لم تكشف بدورها حقيقة الجسد ومستطاعه ناهيك عن كونها اختلفت في تحديد دلالاته من منظور معرفي او اخلاقي او انطولوجي او سيكولوجي الخ .. حتى اننا انتهينا الى تمجيد للجسد دون معرفة بحقيقة مستطاعه في حلقة مفرغة تردنا الى الدرجة الصفر من المشكل. فكيف السبيل الى تجاوز هذا الاستشكال الفلسفي حول الجسد وحقيقة الانية؟ وهل يصح اختزال حقيقة الانسان في الجسد وحده؟ مجاوزة الموقف المعلن في نص الموضوع، باعتباره يسقط في الخطأ نفسه الذي وقعت فيه الفلسفات السابقة ونعني اختزال الانسان في بعد واحد هو الجسد والسير عكس القول الذي يفترضه الموضوع للتأكيد على ان للإنسان أبعادا متعددة، ما يدعونا إلى تصور أنثروبولوجيا جديدة تراه من زوايا متعددة، فهو كائن الوعي، حيوان عاقل او ناطق كما تقر الفلسفات التقليدية (افلاطون، ارسطو، ديكارت)، وهو كائن الرغبة تتحد نفسه بجسمه اتحاد وجهي العملة النقدية الواحدة (سبينوزا) وهو كائن ،مركب ذاتية مشتركة، تحمل فيه الذات الآخر كما تكشف عنها تجربة المرآة ادغار موران) وهو وعي ولاوعي، قادر على التفكير تفكيرا سليما وعلى الجنون في نفس الوقت (بول ريكور). يفترض عند كل نقطة تحليلها وتقديم امثلة وحجج ]
الخاتمة
استخلاص اهمية الجسد كمقولة فلسفية، يجب ان تنفتح على دلالات متعددة تجاري الابحاث والمراجعات التي تنجزها المعرفة البشرية الحديثة، والتأكيد على ان الانسان لا يمكن اختزاله في بعد واحد من ابعاد وجوده. اذ هو كائن متعدد الابعاد، وهو ما يجعل القول فيه لا ينغلق على خطاب ولا على حقيقة ولا استطاعت هذه العلوم والمعارف ان تجيبه عن اسئلته الأولى، ولا أن تحقق له أمنه وسعادته وطمأنينته حتى قال عنه ألكسيس كاريل ان “الانسان هو ذلك
المجهول”.