البكالورياالفلسفة بكالوريا

بكالوريا – موضوع فلسفي منجز حول مسألة النجاعة والعدالة

مسألة النجاعة والعدالة

موضوع فلسفي منجز حول مسألة النجاعة والعدالة للبكالوريا.

البكالوريا - موضوع فلسفي منجز حول مسألة النجاعة والعدالة
بكالوريا – موضوع فلسفي منجز حول مسألة النجاعة والعدالة

الموضوع :

“لا نجاعة حيث لا عدالة و لا عدالة حيث لا نجاعة ” كيف تفهم هذا الإقرار؟

إن عصرنا هو عصر المفارقات و هي مفارقات طالت كل مجالات الوجود الإنساني و في مجال العمل تتجلى هذه المفارقة في تنامي الاحتجاجات المطالبة بحق العمل من جهة و تزايد النفور من واقع العمل و إكراهاته من جهة أخرى. فالبعض يرى في العمل حلما و البعض الآخر يرى فيه كابوسا و هذا التعارض في تقييم العمل هو الذي يدعونا اليوم إلى استئئاف التفكير في قضيّة العمل و ما يحفَ بها من إشكاليات أهمها إشكالية العلاقة بين مطلبي
النجاعة و العدالة و في هذا الإطار قيل : لا نجاعة حيث لا عدالة و لا عدالة حيث لا نجاعة
فما الذي نعنيه تحديدا بالنجاعة ؟ و أيّ دلالة للعدالة ؟ و بأيّ معنى تكون العدالة شرطا للنجاعة ؟ و كيف تكون النجاعة مقوْما أساسيا من مقوّمات العدالة ؟ و إلى أيّ مدى يمكن التسليم بإمكانيّةالتوفيق بين هذين المطلبين في ظلَ حضارة رأسماليّة قائمة على مبادئ براغماتيّة.

تضمّن نص القولة اطروحة مستبعدة مفادها أنّه بالإمكان للنّجاعة أن توجد و تتاسّس حتى في ظلَ غياب العدالة و أنّه بإمكان العدالة أن تتحقّق حتّى في ظلَ إهمال مطلب النّجاعة و تضمّن في المقابل أطروخة مثبتة تؤكّد على انّه لا معنى لكلا المفهومين في ظلَ غياب الآخر أي أن ما يجمع بين التّجاعة و العدالة هي علاقة تلازم و اشتراط متبادلة ؛ لكن ما الذي تعنيه تحديدا بهذين المفهومين ؟

إنَ النجاعة هي قيمة اقتصادية إنتاجية ترتبط بمدى قدرة منظومة الإنتاج على تحقيق المصالح و المنافع و بمدى توقَقهَا في إشباع الحاجات و السّيطرة على الطّبيعة و هي سيطرة تحتاج إلى تطوير الإنتاج كما و كيفا و تقليص كلفة الإنتاج واختصار الزمن و الجهد.

موضوع فلسفي منجز حول مسألة النجاعة والعدالة.

و مثل هذه النجاعة ما كانت لتتوّقر دون توفر جملة من الشروط لعل من أهمها الشّرط المعرفي الذي توّفر بفضل ما حققه العلم من نجاحات باهزة في فهم الطبيعة و تفسير ظواهرها و الشرط التقني الذي توفر بفضل تحويل القوائين و النظريات العلميّة من قوائين مجرّدة إلى آلات و تطبيقات تقنيّة سهّلت على الإتسان الفعل و الإنتاج .إضافة إلى التيلرة كاستراتيجيا جديدة في العمل حوّلت العمل من إنتاج كليّ إلى نشاط مجزّئ و مفّتت يختصَ فيه كلَ عامل بمهمّة واحدة و هو ما يمنحه المهارة و البراعة و ما يسمح للمصنع بإنتاج سلع أكثر تستجيب بشكل أفضل لاحتياجات السوق المتزايدة. أمَا العدالة قنعني بها و ضعا اجتماعيًا و اقتصاديًا ملائما للعامل و يَضمّن له حياة كريمة ؛ كما نعني بها ظروف عمل لا تحدّ من حريته و من حقّه في إشباع رغباته و التعبير عن ذاتيّته و حريتهء فكيف يفهم القول بأنّه لا نجاعة حيث لا عدالة ؟ أو كيف للعدالة أن تكون أساسا من الأسس التي تنهض عليها النجاعة ؟

إنّ القول بأنَ الّنجاعة تقتضي العدالة:هو قول يستبغد في طيّاته الموقف الليبرالي الكلاسيكي الذي كان يراهن على النّجاعة كمطلب وحيد و كان يرى انه لا داعي لان تعدل أو ننصف العمّال ما دامت الغاية هي فقط مراكمة التُروات و تكديس السلع حتّى و أن اقتضى ذلك استغلال العامل و استنزاف طاقته و جهوده.

إنَ المقاربة الليبراليّة هي في جوهرها مقاربة براغماتية فاقدة لكل بعد أخلاقي و هي مقاربّة تفصل بين النجاعة و القيم و ترى أنه بالإمكان تحقيق الوفرة و المردوديّة و الرّبح دون حاجة إلى إنصاف العمّال و تحسين ظروف عيشهم غير أن مثل هذا الموقف يفتقد إلى الصلابة و المشروعيّة و ذلك لأنّه موقف لا إنساني و لا أخلاقي ينطلق من أنائيّة و جشع و لأنّه موقف يسيء تقدير مقتضيات التجاعة فنجاعة غير عادلة هي عدالة هشة لا تدوم ما دام ضحاياها مستعتون دائما للإنقلاب عليها .
إن النجاعة غير العادلة تحمل داخلها بذور فنائها فهي لا تحظى بموافقة العمال و رضاهم و هي نجاعة غير مسودة إلآ بقوانين السلطة التي هي قوائين طبقيّة غير أنّ القانون الطبقي الذي يشرّع الاستغلال و يدعمه ليس مقدسا و السطة التي تسخّر كل إمكائياتها لخدمة طبقة بعينها.
هي سلطة غاشمة سرعان ما تجد مقاومة من الفئات المسحوقة و المهمشة من العمّال التي لا ترى في السّلطة كيانا يمثلها و يدافع عنها بل أداة لتركيعها و قد اعتبر ماركس القولة جهاز عنف طبقي و انكر وجود ذولة لكلَ الشعب ما دامت هي في الأصل إفراز مجتمع طبقي قائم على الملكيّة الفردية و الصراع الاجتماعي.
إنّ نجاعة غير عادلة هي نجاعة مهدّدة تحسن صنع أعداءها و تحفر قبرها بيدها و هي نجاعة غير حكيمة لأنّها لا تدرك مقتضياتها و تسئ فهم شروط تحققها . فمثل هذه النجاعة هي نجاعة خاطئة أو غير ناجعة لأنّ من النّجاعة أن تلتمس كلَ السّبل الممكنة لجعل العمل ناجعا لا الاكتفاء ببعضها و إهمال البعض الآخر و في ذلك يقوّل إريك فايل : ” إن نجاعة غير عادلة هي نجاعة خاطئة.

موضوع فلسفي منجز حول مسألة النجاعة والعدالة.

من الضروري إذن جعل نظام العمل عادلا حتّى يكون ناجعا ؛ فقد تحقّق المنظومة الإنتاجيّة الكثير من الأرباح و المنافع لكن ذلك لا يمكن أن يستمَرّ إلى ما لا نهاية إن لم تنجح هذه المنظومة في امتصاص عضب العتال و نقمتهم و هي نقمة تهّدد بتدمير منظومة الإنتاج و بالثورة على الامتيارات الطبقية. و هو ما يهدّد النجاعة حيث:ستدمّر المصانع الآلات من طرف عمال يرون في المصنع سجنا و في الآلة سيّدا يستعبدهم.

إنَ ما ينجر عن هذا النقد هو ضرورة تجاوز الخيار الليبرالي الكلاسيكي الذي يفرط في المراهنة على النّجاعة و الوفرة دون اعتبار لمقتضيات العدالة و القيمة و هو ما ينتهي إلى تكريس ضروب مختلفة من الاغتراب و هذا الاغتراب الذي يسلب العامل إنسانيته هو عينه خرّان الثورة الذي راهن عليه ماركس ليكون أساس ما يقع من تغييرات تاريخَيّة حاسمةستنقلنا من الرّأسمالية كآخر شكل إلى الشيوعيّة كمجتمع بلا طبقات و بلا فوارق.
-مجتمع تتصالح فيه النجاعة مع العدالة و الإنسان مع الآلة و الأنا مع الآخر.

مثلما أكّد الموضوع اقتضاء النجاعة للعدالة فقد أكد أيضا اقتضاء العدالة للنجاعة.
فالعدالة كمساواة أو كإنصاف وبما هي وضع وجود و حياة يتلاءم مع إنسانيّة العامل و يحفظ كرامته لا يكون لها وجود أو معنى في ظلَ منظومة إنتاجيّة فاشلة و قاصرة على خلق التّروة إشباع الحاجات فالعدالة مضمونها هو ما يتاتّى من العمل من سلع و منافع بإمكانها سد الحاجات و تحقيق الرّغبات و مجابهة الفقر و الخصاصة ؛ فالعدالة هي أن توقر للإنسان ككل و للإنسان العامل تحديدا ما يكفيه و ما يرضيه و ما يلبّي حاجاته البيولوجيّة و الثقافيّة و ما يحرّره من
الحاجة و من الطبيعة.

و ما يسمج بجعله حرًا و كريما و إذا لم يكن العمل ناجعا فانّه لن ينجح في تحقيقٌ كل هذه الانجازات و المكاسب التي هي جوهر العدالة فأيّ معنى لنظام سياسي اقتصادي يحرض على المساواة بين الافراد و احترام مقوّمات إنسانيتهم دون أن يوقر لهم فعليًا ما يكفل الإشباع و الحية و السعادة.

موضوع فلسفي منجز حول مسألة النجاعة والعدالة.

إنّ تجربة الأنظمة الاشتراكية في القرن العشرين هي خير مثال يكشف لنا عبثيّة الجهود السياسيّة المطالبة بالعدالة و المنادية بكرامة الإنسان و حريّته إن لم ترافقها جهود اقتصاديّة أكبر لدعم منظومة الانتاج و التجاعة حتى تواكب التزايد الدائم للحاجات و البشر,

إن المطالبة بالعدالة ورفع شعارها دون توفير فعليّ لمقؤماتها الإنتاجيّة لن تكون إلا مطالبة عقيمة ومتناقضة ؛ فأيّ معنى للعدالة دون ثروة حقيقيّة يتم تقاسمها بعدل و أيّ معنى للمساواة إن كانت مساواة في الفقر و الحرمان و البؤس و ما قيمة إلغاء الفوارق الطبقيّة إن كانت النتيّجة هي تحويل الجميع إلى فقراء و جعل من كان فقيرا غنيًا عوض تحويل الفقراء إلى أغنياء أي تحقيق الرّفاه و الوفرة للكل.

إنَ العدالة لا تتحقّق بالخطب الرنانة و لا بالشعارات البرّاقة و إنما بجهود حقيقيّة و بتصميم فعليّ على تطوير الإنتاج و النجاعة و بخلاف ذلك تتحوّل الاشتراكيّة كفضاء ممكن للعدالة من حلم تعميم نموذج الحياة المترفة على الجميع إلى كابوس تعميم نموذج الحياة البائسة.
إنَ إخفاقات الأنظمة الاشتراكيّة في القرن العشرين لم تكن اخفاقات إديولوجية عسكريّة يقدر ما كانت إخفاقات اقتصاديّة حيث لم تكن للاقتصادات الاشتراكية مقارنة بالاقتصادات الرأسماليّة و حيث اخفق الاقتصاد الاشتراكي في إنتاج ما يلبي حاجات الجميع و هو ما اضطر الساسة و الحكام إلى اللجوء إلى سياسات قمعيّة صادرت حريّة الأفراد
لإجبارهم على الرّضا بالفقر الناجم عن عجز المنظومة الإنتاجيّة وا عن محدوديّة نجاعة منظومة العمل و عن ميل العمّال إلى الكسل و التقاعس ما دام الأفراد سينالون نفس المقابل و إن اختلفت جهودهم أو مواقعهم الإنتاجيّة وما دام العمل لأجل الدولة لا لأجل الذات.

إن العدالة حتى تكتسب مضمونها لا بدّ أن تكون ناجعة و دون ذلك لن تكون إلا شعارا أجوفا و فكرة طوباوية و هو ما أكّده إ.فابل بقوله ” عدالة غير ناجعة ليست عادلة
إن ما تخلص إليه من تحليلنا لهذه القولة هو أن العمل لا يكتسب قيمته الإنسائيّة إلا بتضافر قيمتي التجاعة و العدالة أي بالتوفيق بين الرّهان الاقتصادي و الرّهان الأخلاقي و دون ذلك يتحوّل العمل من فضاءً ممكن للحريّة و نحت الكينونة و تأصيل الوجود إلى فضاء اغتراب و استعباد و موضعة و يتحوّل العامل من ذات خرّة مفكّرة و مبدعة إلى شيء أو آلة أو كينونة استهلاكيّة أحاديّة البعد و إلى كيان مدجّن ومروّض : كيان مستلب متماه مع استلابه.

تكن القيمة الفلسفيّة لهذه القولة في تجاوزها لمواقف فلمفيّة و علميّة (اقتصاديّة) تنتصر إمًا للعدالة على حساب النجاعة أو للنجاعة على حساب العدالة. و تكمن قيمتها أيضا في انتصارها للإنسان كقيمة لا يمكن أن تتحقّق و تكتمل إلا في نظام اقتصادي(نظام إنتاج و عمل) ناجع و عادل في آن واحد . كما نثمّن فيها نقدها الضّمنيّ للنزعة البراغماتيّة الليبراليّة التي تفرع العمل و النجاعة من مضمونهما الأخلاقي و القيمي ولبعض التطبيقات الاشتراكيّة التي أفرطت
في الانتصار لقيمة العدالة لكن دون إفراط في الاهتمام بالنجاعة.

يمكن مقاربة هذه القولة نقديّا من عدّة زوايا لعل أهمّها ثقتها المطلقة في إمكانية المصالحة بين مطلبي النّجاعَة و العدالة في حين أنّ واقعنا الراهن يكشف استحال الأمر في ظلَ أنظمة سياسيّة و اقتصاديّة محكومة بخيارات رأسماليّة براقماتيّة لا تحترم إنسانيّة الإنسان.

و ليس همّها الانتصار للقيم بل فقط مراكمة الأرباح و التّروات و هو ما يجعل مثل هذا الطرح الذي يتبتاه موضوعنا طرحا مثاليًا طوباويًا ؛ كما يمكن نقد القولة من جهة انطلاقها من مسلمات أهمتها مسلمة العدالة ؛ فقد تعامل الموضوع مع العدالة كبداهة أي كما لو أنَ لها دلالة واضحة و ثابتة و مشتركة.

موضوع فلسفي منجز حول مسألة النجاعة والعدالة

في حين انّ العدالة مفهوم إشكالي و جدالي فالكل يحنده بطريقته و من زاوية نظره و لعلّ أوضح اختلاف هو بين العدالة بمفهومها الماركسي كمساواة تامّة تلغي الفوارق و الامتيازات الطبقيّة بما يستدعيه ذلك من ثورة تحطم البنية الطبقيّة للمجتمع و بين العدالة كإنصاف أي كعقلنة للفوارق الاجتماعيّة و ضبط و تنظيم لها بما يقتضيه ذلك من تدخّل

القولة من جهة أنّها تختزل التفكير في مشكل العدالة في سياق العدالة هي أيضا قضيّة سياسيّة يمكن تناولها في علاقة بالدولة و بمدى نجاح هذه الدولة في توفير مقوّمات العدالة السياسيّة و الاقتصاديّة و الاجتماعية.

يتضمّن موضوعنا مجموعة من الرهانات لعل أهتها رهان انطولوجي و هو رهان تجذير التجرية الإنسائيّة في مجال الممارسة بما يلائم إنسانّة الإنسان و تاصيل الماديّة و الوجود و هو تاصيل لا يمكن أن يتحقّق إلا بالمصالحة بين النجاعة و العدالة. و رهان اكسيولوجي قيمي و هو رهان إعادة الاعتبار لقيمة القيم و تحديدا لقيمة العدالة في عصر تنكّر لكلَ للقيم و انحصر لنزعات ماديّة استهلاكيّة و لقيم براغمائيّة.

يستمد موضوعنا هذا راهنيّته من طرحه لمشكل العدالة و سبل تجاوز التّعارض بينها و بين النجاعة و هو مشكل الإنسان المعاصر و الواقع المعيش لاسيّما في ظَلَ تنامي أشكال الاستغلال و الاضطهاد الاقتصادي و المّياسي وتزايد المطالبات العقالية بتحسين الأجور و ظروف العمل و بنصيب عادل و مرض من الثّروة الاجتماعيّة و هي مطالبات تتخذ أحيانا
ما نخلص إليه في خاتمة تحليلنا هو الحاجة إلى توطيد العلاقة بن النجاعة و القيم و بين نظام الوسائل ونظام الغايات و أنّ إنسانية الإنسان تحتاج لكي تتأئسس إلى نظام عمل عادل و ناجع.

و هو ما يستدعي التفكير في سبل حقيقيّة تسمح بالتّوفيق بين القيمتين و المطلبين و ينقلنا من مشكل العلاقة بين النجاعة و العدالة الى مشكل فلسفي مجاور و هو مشكل العلاقة بين النجاعة في شكلهَا السياسي المرتبط بمبدإ السّيادة و بين المواطنة كمطلب يحتاج لكي يتأسّس إلى ضمان الحريّة و المساواة و العدالة.

فهل أنّ السيادة بإمكانها أن تكون ناجعة و عادلة في أن واحد ؟ أي هل بإمكان ان تكون التولة قويّة و مسيطرة وضامنة للحقوق و الحريّات في نفس الآن ؟



مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى